في وقتاً لا تزال فيه ماثلة للأذهان الأحداث والمشاهد التي أعقبت ممارسة حق ديمقراطي يكفله الدستور وانتهت بأعمال العنف والتخريب التي رسمت نهاية مخيبة لمظهر ديمقراطي كان يجسد حرية التعبير ولكنه سلك منحاً آخر يخل بالأنظمة والقوانين المعمول بها في البلاد، ويشهد على الفشل السياسي الذي لحق بمن حاول أن يخرج مشاهد هذه العملية السياسية بعيداً عن البرامج السياسية وطرح مشاريع بناءة، ولم يتحمل مسئولياته لتتم بشكل سلمي، وبعد أن تبددت سريعاً الشوائب التي أثارتها تلك العملية السياسية في أجواء المناخ السياسي الجيبوتي الذي يتميز بالصفاء ولا تنتشر في سمائه السحب السوداء الناجمة عن لهيب الصراعات والأزمات في المنطقة، أطلق بعض أقطاب المعارضة دعوات تناشد فيها أنصارها المشاركة في تظاهرات احتجاجية تجوب الشوارع تحت إطار العملية السياسية التي أسيئ استعمالها بالشكل المشار إليه سابقاً، ولم تتوفر لاحقاً ضمانات تؤكد على عدم انزلاق هذه التظاهرات إلى منحدر العنف وأعمال التخريب ولم تلح في الأفق مؤشرات قوية تظهر مهارة ومسئولية عالية في إدارة هذا المشهد الديمقراطي ضمن نطاقه الحقيقي دون أن تسجل خروقات تضر بالأمن العام، وأن تفلت الأمور من أيدي المنظمين الذين أقروا حسب شهاداتهم بعدم قدرتهم على إقناع المتظاهرين بإنهاء التظاهر.
ولذلك لم ينجحوا في تحقيق قيادة آمنة لمركبة المظاهرات وسط شوارع المدينة المكتظة بالمارة والمركبات والمباني والمصالح والممتلكات الخاصة والعامة لترسو سالمة غانمة على ضفاف المقرات الحزبية وأماكن إقامة الجماهير التي بقيت على متن تلك المركبة بعد أن قفز منها ربانها وتولت بنفسها أمر قيادتها التي أسفرت عن وقوع حوادث شغب وتخريب نجمت عنها خسائر جمة وأدت إلى ترويع الآمنين في الطرقات والمساكن ، وتجاه هذه الأحداث ومن أجل أن تقوم الحكومة بواجباتها إزاء الحفاظ على الأمن العام دعت قادة المعارضة إلى تأجيل المظاهرة التي كانت تعتزم تنظيمها في ظل الأجواء المشحونة السائدة والظروف البيئية في محيط أحزاب المعارضة المهيأة لهبوب رياح تدفع سفن المتظاهرين إلى ما لا تشتهيه العملية السياسية وأمن الوطن والمواطنين ، وخاصة بعد أن قوضت الأحداث الماضية الثقة المتبادلة بين السلطات وتلك الأحزاب والتي كانت وراء السماح للمعارضة بتنظيم مظاهرات عديدة في أوقات سابقة ، وقد تزامنت دعوة الحكومة إلى تأجيل هذه المظاهرات خلال الظروف المذكورة التي لا تزال آثارها حاضرة بقوة ويسعى الجيبوتيون إلى استبعاد الصور والمشاهد التي كونتها تداعيات مسيرات المعارضة من منظومة الصور النمطية المترسخة في أذهانهم عن أشكال ممارسة الديمقراطية التي عهدوها ، ويعبر المجتمع المدني والمؤسسات الشعبية والرسمية عن أسفهم لتدحرج مسيرة ديمقراطية عن مسارها ، وتجرى التحقيقات لكشف الملابسات المحيطة بهذا الحادث ، وتتبرأ العملية السياسية والديمقراطية من تبني أي فعاليات من هذا النوع قد تنتهي إلى هذا المصير الذي لا يشرف بطبيعة الحال المسيرة الديمقراطية في البلاد وثقافة السلم والحوار لدى الشعب الجيبوتي ، ولهذا أصبحت نداءات المعارضة الموجهة إليه للمشاركة في تظاهرات هي تقود زمامها متحدية الحكومة التي دعت إلى تأجيل تلك التظاهرات دعوات غير مستجابة ومرفوضة بأحكام عقيدة السلم المترسخة في وجدان هذا الشعب الذي يسعي دائماً إلى تمتين العلاقات الإستراتيجية وتوثيق عرى الصداقة التي لا تفصل بينه وبين السلام ، و يقوم من أجل أن تشهد ازدهارا في المنطقة بمبادرات ومساعي حميدة ، لذلك لا يقبل أن تعكر صفو هذه العلاقات أي أفعال تنتج حتى من الأحزاب السياسية التي كان ينبغي عليها تعزيز الديمقراطية وقد استغرب بالفعل التصريحات التي أدلى بها بعض قادتها كآدن روبلة عواله وهو بكامل وعيه السياسي وقدرته العقلية التي يذكر فيها وقوع تظاهرات حاشدة لا تمت بصلة في الواقع الحقيقي وتفقد المصداقية لمسئول سياسي مثله .
وقد اعتاد الشعب الجيبوتي على ممارسة كافة أشكال وأساليب الديمقراطية خارج نطاق الأحزاب السياسية وأنشطتها ، ومن خلال منابره الخاصة سواء وجد في الميادين العامة والطرقات والمجالس أو حتى عندما يكون على متن وسائل المواصلات العمومية ولذلك لم يستجب إلى أي دعوات تتنافى مع عقيدة السلم ومنهجيات الديمقراطية لديه.
عبد السلام علي آدم