جرت بحمد الله الانتخابات الرئاسية التي فاز بنتائجها الأخ الرئيس إسماعيل عمر جيله مكتسباً بذلك ثقة الشعب إلا أن بعض فئات من مكونات الشعب الجيبوتي أولت تلك النجاحات بنزق قبلي وعشائري وغالبية المواطنين أظهروا بأن المرحلة مرحلة الشراكة لمجتمع متماسك أفضل، وتداول شخصيات وقوى سياسية على إثر ذلك لمفاهيم المواطنة وجرت نقاشات كثيرة حول الحقوق المتصلة بها والتي على الدولة أو الحاكم أن يكفلها للفرد مادام هو أحد مواطنيها باعتبارها حقوقاً طبيعية ينبغي تساوي الجميع في التمتع بها ونجد أن بعض الكتاب أعد لهذا الموضوع كتابات لتعريف الناس بحقوقهم لكن بالمقابل غاب عن الساحة من يتحدث عن مسئوليات المواطنة والواجبات المفروضة على المواطن سواء تجاه أفراد آخرين أو المجتمع أو الدولة.
لاشك أن الدولة أو بمعنى آخر المؤسسة التنفيذية معنية بضمان حقوق مواطنيها بالتساوي وتعريفها دستورياً لتتخذ الطابع التشريعي الملزم ثم السعي إلى كفالتها بمختلف الإمكانيات المتاحة لها وإذا ما تقاعست الدولة أو المؤسسة التنفيذية عن ذلك فإنها ستفقد صفتها التمثيلية لمواطنيها وبالتالي تصبح مشروعيتها مجروحة إلا أننا لا نستطيع القول أن المؤسسة التنفيذية انتهكت حقوق المواطنة سوى عندما يتقاعس النظام في سعيه لتحسين الأوضاع المعيشية وزيادة إيراداته والعمل بشتى الطرق لمكافحة الفقر والبطالة وكل ظروف الحياة الصعبة، ويجري الحال نفسه علي مسألة العدالة والفرص المتساوية والحقوق المتكافئة، ومن هنا تلجأ الحكومات إلى الخيارات الديمقراطية من أجل بناء شراكة نوعية بين الفرد والمجتمع والدولة وخلق تنافس بين مختلف القوى الوطنية إلى جانب الحراك المدني ودوره التوعوي والتنموي بهدف النهوض بالواقع وإيصال الفرد إلى طموحه المنشود في الحياة الكريمة .
وللأسف إن من يسمون المعارضة لا يفهمون هذا النوع من الشراكة ويطالبون الدولة بمنح الفرد حياة كاملة في الوقت الذي يتقاضون فيه عن مبدأ المسئوليات المتكافئة التي تمليها - المواطنة - فالانتماء إلى وطن بعينه يلقى على الفرد والمجتمع مسئوليات كثيرة في مقدمتها مسئولية الدفاع عنه والمساهمة في بنائه والارتقاء بظروف نهضته، وبالتالي كيف للفرد أن يطالب بحق المواطنة وهو يرفض الانتماء للوطن روحاً ووجداناً؟ كيف يمكن اعتبار نفسه مواطناً جيبوتياً، وهو يتشدق بالقبلية التي من شأنها تقسيم الشعب والوطن كاملاً أو تشوه سمعة جيبوتي أو يستهتر بالقانون والنظام ويسعى لنسف السلام الاجتماعي والأمن الذي هو شرط أي تنمية وطنية وأي مسعى لتعزيز الحياة الكريمة...؟
ومن غير المنطق أبداً أن تقف بعض القوى متفرجة ولا تساهم حتى بالتوعية - باعتبارها مهمة لا تحتاج غير التثقيف والتنوير - وتنظر إلى كل التحديات التي تواجه الوطن على أنها من اختصاص الحزب الحاكم والأحزاب المشاركة معه وليس لأي أحد سواه أي دخل فيها، ثم تتصرف بأنانية ولا تكترث لشيء أكثر من تسويق خطابها والظهور على واجهات صحفها وهي تتذمر وتشكو وتتنكر للحقائق ويستحيل لها الاعتراف بأي إيجابية تقدم عليها السلطة - لمجرد اعتقادها بأن ذلك الاعتراف قد يعزز من قوة السلطة وشعبيتها لكونها تضع نفسها في صف الواجهة، ولا يخطر في تفكيرها أن أي إنجاز هو في النهاية تعزيز لقوة الدولة بأكملها وهو محسوب لجميع أبناء الشعب الجيبوتي باعتبار أن العاملين في مؤسسات الدولة يمثلون مختلف أطياف الشعب الجيبوتي وليس لفئة وحدها.
اليوم عندما تدخل أي مؤسسة حكومية نجد مواطنين ينتمون سياسياً إلى مختلف القوى الوطنية وهم بمجموعهم يشكلون رهان هذه المؤسسة في النجاح أو الفشل، الأمر الذي يجعلنا نعلق آمال تطور ونهضة الوطن على الجميع دون استثناء ويعتبر كل فرد شريكاً في ما يتحقق في جيبوتي وعلى هذا الأساس ظهر في القاموس السياسي مصطلح - مواطن صالح - و - مواطن غير صالح - والذي يبني تقييمه على أساس القيمة الأخلاقية للعمل الذي يقدمه لوطنه وشعبه وطبيعة ارتباط ذلك بحالة الانتماء للوطن والإحساس بهمومه ومعاناة أبناءه والدور الذي ينبغي عليه القيام به.
حقوق المواطنة المتساوية يجب أن تقابلها مسئوليات متكافئة وأدوار متعادلة وإذا كانت الأولى مكفولة بالدستور والقوانين الوضعية فإن الثانية تترجمها ساحة العمل وحجم الانجاز والعطاء ومدى احترام النظام والقانون وتأدية الواجبات على أكمل وجه فالمواطن بحاجة إلى كل قلم شريف ينشر الوعي ويكافح المظاهر السلبية الموروثة وإلى كل كلمة طيبة صادقة تعزز من التماسك الوطني ووحدة أبناءه وإلى كل رأي سديد يخدم المصالح العامة وإلى كل يد عاملة بإخلاص وأمانة تبنيه وتحقق أحلام الأجيال...
عبد الرحمن حسن رياله