في كل مساء من مساءات جيبوتي العاصمة وبحلول الساعة العاشرة حينما يقفل الناس عائدين إلى منازلهم تاركين الشوارع والساحات العامة خالية تأتي حافلة كبيرة تقل نساءا ورجالاً لا تخطئهم العين بستراتهم الفوسفورية التي تشع من بعيد، وفي لحظات خاطفة ينقسم هؤلاء إلى مجموعات صغيرة منتشرين في الساحات ويجوبون الشوارع طولاً وعرضاً، ليقوموا بأداء مهامهم اليومية بصمت دون كلل أو ملل.
هؤلاء النساء والرجال عزيزي القارئ هم عمال النظافة، والذين تقع على عاتقهم مسئولية أن تبدو شوارعنا وساحاتنا العامة مع بزوغ فجر يوم جديد بشكل لائق، نظيفة وخالية من مخلفات وآثار تركتها حركة مرور وتنقلات المواطنين وأنشطة المجتمع التجارية من بيع وشراء.. ولعل الأمر برمته لا يثير القدر الكبير من الاهتمام لدى الكثير منا، وربما لا يلقى التقدير الذي يستحقه!!
.. ونحن إذ نخلص إلى هذا التقييم أو هذا الاستنتاج، فلا نعتقد أننا انطلقنا فيه من فراغ، بقدر انطلاقنا من مشاهداتنا اليومية للممارسات والسلوكيات التي تبدر من البعض، والتي لا تنم قطعاً عن وجود تقدير للدور وللجهود التي تبذلها هذه الشريحة من المجتمع، ولا تعبر حتماً عن التضامن معها.
فما نراه من إهدار لحصاد ساعات متواصلة من العمل الشاق في أنصاف الليالي والناس نيام، من خلال عدم الاقتصاد في الممارسات والسلوكيات اللامسئولة التي ينجم عنها تراكم جبال من أكوام القمامة، وأنهار من فضلات الغسيل وخاصة في الأحياء السكنية والشوارع الداخلية منها.. كل تلك الممارسات تنم عن عدم وعي حقيقي بمدى أهمية ما يقوم به عامل النظافة والدور الذي يلعبه في تخليص المدينة من كل ما يسئ لمظهرها الحضاري، ويشوه ملامح شوارعها، ويلحق الأذى بصورة سكانها وصحتهم العامة.
ويحسن بنا في هذا الصدد، وفي سياق حديثنا عن أهمية الدور الذي يقوم به عامل النظافة، وضرورة أن نوليه والعمل الذي يقوم به بعضاً من الاهتمام الذي يستحقه، الإشادة أيضاً بدوره الوطني الحضاري الذي يسهم في جهود التنمية الاجتماعية... وختاماً: ألا يستحق منا الجندي المجهول ذاك، قليلاً من التضامن والتعاون، والكثير من مشاعر الوفاء والعرفان لكل ما يقوم به من أجلنا..
محمود إبراهيم محمد