تقع مدينة ويعا غرب مدينة جيبوتي وعلى بعد 36 كيلو متر، ولا ننسى أن نذكر أنها ممر وموقع استراتيجي تلتقي فيه كل الطرق التي تخرج وتدخل من وإلى جيبوتي العاصمة. أبرزها، الطريق البري الذي يربط جيبوتي بإثيوبيا والذي يعد أطول طريق على مستوى الجمهورية وبهذا المعنى فإن مدينة ويعا ينطبق عليها المثل الشهير : كل الطرق تؤدي إلى روما أو بالأحرى ويعا ، بدأً بالطريق البري بين جيبوتي وعلي صبيح ومروراً بطريق جيبوتي- دخل ثم الطريق الذي يربط جيبوتي بتاجورة وانتهاءً بالطريق البري بين جيبوتي وأوبخ. الجدير بالذكر أن مدينة ويعا تتبع إدارياً محافظة عرتا وتعتبر المدينة الثانية بعد عرتا من حيث المساحة والكثافة السكانية إلا أنها أقدم منها وأكبر عمراً وإذا أعدنا بوصلة التاريخ إلى الوراء قليلاً سنكتشف أن مدينة ويعا من أقدم المدن التي بنيت على تراب أرض جيبوتي وذلك في خمسينيات القرن الماضي . علاوة على ذلك فإن ويعا تمثل نقطة التفتيش والمراقبة على الحدود الجنوبية للبلاد والتي تعتبر من أطول الحدود في البلاد، بل أكبر نقطة الانطلاق للدفاع عن الوطن وهذا ما دفع المستعمر الفرنسي إلى اتخاذها مركزاً وتشييده قاعدة عسكرية كبيرة وشديدة التحصين فيها في فبراير عام 1968 ليتمركز فيها فيلق من قواتها وذلك لحماية خاصرتها الجنوبية وحدودها المتاخمة لإثيوبيا وبُغية تعزيز وجودها وبسط سيطرتها على مستعمراتها ومنطقة القرن الإفريقي على حد سواء، وهذه بمثابة علامة بارزة لأهمية المدينة ووزنها الجيو سياسي والإستراتيجي ما أجبر فرنسا علي أن تبقي قواتها في ويعا حتى بعد استقلال البلد وطبعاً بموجب اتفاقية التعاون والدفاع المشترك بين الدولتين إلى أن يستقر الجيش الجيبوتي في القاعدة مؤخراً بعد أن انتقلت منها القوات الفرنسية. فتتمركز فيها الآن كتيبة مدرعات في الجيش الجيبوتي والتي تملك أقوى سلاح في الجيش وعليها يُعول في حسم أي معركة. وسُميت القاعدة (قاعدة وعيس عجب ) أسوةً باسم مالك الأرضية التي أقيمت عليها القاعدة وهو من وجهاء المدينة المرحوم وعيس عجب. وتفيد مصادر خاصة أن الرجل كان يبيع الشاي بالمكان ويرتزق فيها ويعيل أسرته، قبل أن تخضع للسيطرة الفرنسية وقبل أن تصبح مقراً لقواتها .
إلى جانب ذلك تتمتع ويعا بتضاريس مناسبة فجوها معتدل صيفاً وبردها قارص شتاءً ويعزوه عُلماء الجيولوجيا إلى سلاسل الجبلية التي تحيط بها من كل الجهات وتحجب عنها الشمس وكأنها محمية طبيعية أو بيضة في عُش أو قلعة للمراقبة، ولهذا فإن ويعا لا تزال عروسة الجبال. ناهيك عن مكانها المرتفع فوق سطح البحر ومناظرها الخلابة. كما تطل المدينة وتشرف على وادي ويعا والذي يعتبر أطول وأشهر وادي في جيبوتي على الإطلاق والذي يصل طوله 85 كيلو متر، حيث يتفرع من سهول (البارة الصغرى) ويشق طريقه إلى ويعا ثم إلى العاصمة، ويصب في وادي حمبلي بعد أن اجتاز حدود جيبوتي وقسمها إلى نصفين، بلبلا وجيبوتي ثم لم يتورع من أن يحتل مكانه من البحر.
يصل عدد سكان ويعا إلى ثلاثة ألاف مواطن وتقطنها أربع عشائر تنتمي كلها إلى قبيلة واحدة من أعرق القبائل الجيبوتية لا يتسع المقام هنا لذكرها،هذه العشائر هي بدورها متداخلة ومتشابكة ويُكوِنون لحمة واحدة وتربطهم علاقات المصاهرة والروابط الأسرية ما أكسبهم قوة ومناعة وتماسكاً. و تشكل المدينة هي الأخرى أربعة أحياء يسميها أهلها كالأتي: حي نعسليه، وضاحية الجبل، و ناحية سفلى، وحي RPP، وفي الجانب الديني للمدينة أيضاً جامع ومسجد واحد ويستخدم منبره مهمة توعية المجتمع وإصلاحه . وتوجد أيضاً في ويعا مدرسة مكونة من الابتدائية والمتوسطة، يلتحق ويتلقى تعليمهم الأساسي طلاب يتجاوز عددهم 635 تلميذ . كما يوجد في المدينة مستشفى ومركز لقوات الدرك الوطني وذلك لحماية الأمن واستقرار المواطن ولمكافحة التهريب وتجارة المخدرات. وتعتمد المدينة في تجارتها بشكل الأساسي على المسافرين وعلى الطريق البري وعلى البدو والرعاة وتجارة القات ولاسيما النساء فهن يشتغلن إلى جانب القات في بيع الخضروات والفواكه ومهن أخرى صغيرة. أما الرجال فمعظمهم يعملون في الدوائر الحكومية وموظفون لدي الدولة وبعضهم يعيلون أسرهم عن طريق أعمال البناء في الشاحنات التي تأخذ وتتاجر في التراب والأحجار في محيط ويعا. لكن ما أردت أن أنبهكم عليه هو أن الآراء اختلفت في تسمية ويعا، يسميها الفرنسيون أُويعا (ouwea )ويسميها أهلها ويعا، تيمُناً بشكلها. لكن هذه الآراء نفسها اتفقت على أن ويعا لا تزال عروسة الجبال وعلى أن أهلها لا يزالون في كرمهم، يحملون وجوهاً سمراء وقلوباً بيضاء يبتسمون في وجهك يتفقدون أحوالك. ولا يزالون على أصالتهم يحافظون علي تقاليدهم وعاداتهم يطعمون الجائع منهم ويكرمون الضيف ويعينون الملهوف وخلال مكوثي في ويعا ومعايشتي لأهلها وفي أثناء ضيافتهم لامست منهم طيبة لا تضاهى وخلال تعاملي معهم لاحظت منهم مشاعر وأحاسيس فياضة وأخلاق سامية .
إلا أن بعض الناس - وليس كل الناس - يتهمون الوعاويين أنهم من مجتمع مغلق على نفسه وغير منفتح ويطلقون عليهم أسماء لا أساس لها في الواقع وهذا ما أبطله أهل ويعا وأثبتوا بدليل معاملتهم الطيبة مع المجتمعات الأخرى، انه اتهام باطل وزائف وفي غير محله .
وأخيراً يبقى فصل الربيع في ويعا ثوبها وجمالها ومصدر فخرها وقوتها، يجلب لها الخير ويجذب إليها السياح ويرفع مصدر دخلها وينعش اقتصادها ومعيشة شعبها. ومهما تعددت أسماءها وتنوعت خيراتها فإن ويعا ستبقى جنوب البلاد يحد جنوبها الجنوب وشمالها الشمال وستبقى ممراً آمناً لنقل البضائع لإثيوبيا وعاملاً مساهماً في اقتصاد الوطن وعاملاً أخر مساعداً لميناء جيبوتي الذي يعد عصب الحياة في اقتصاد الوطن ووقوداً لقطار التنمية في البلاد .

بقلم / عبدالرزاق عمر جيلدون
خريج من الصحافة والإعلام
وأستاذ في إعدادية ويعا