تميز مطلع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين ،حافلا بإطلاق أكبر ثورة صناعية تجلت بشكل أوضح فيما يشهده عالمنا من طفرة في المبتكرات والمخترعات من الأجهزة والأدوات الكهربائية بدءاً من الهواتف والحواسيب المحمولة ، ومروراً بالأجهزة الكهربائية المنزلية المتعددة ، والتي كانت قبل أعوام قليلة مضت لا تعدوا كونها مجرد كماليات يترفه بها البعض ممن يستطيع دفع تكاليف اقتنائها وفواتير تشغيلها ، وصولاً إلى الآلات والماكينات والروبوتات الضخمة التي أصبحت عاملاً وجزءاً لا يتجزأ من العملية الإنتاجية الصناعية ومع دخول دول جديدة بقوة في المجال الصناعي كالصين والهند ، ومع ما ترتب علي كل ذلك من تحول الشعوب والمجتمعات وخاصة في دول العالم النامي إلى مجتمعات استهلاكية تجاري موضة اقتناء كل جديد من هذه المنتجات من جهة ، والمستويات الخطيرة التي وصل إليها استهلاكنا النهم للطاقة والاستنزاف الذي بات يهدد مصادرها بالنضوب من جهة أخرى .
وكنتيجة لكل ما سبق ، وكما أن لاقتناء كل تلك المقتنيات الضرورية منها والكمالية كلفة وضريبة يدفعها المستهلك، إلا أن هناك من بات يدفع الضريبة الأكبر والعبء الأثقل وهو كوكبنا " كوكب الأرض" !!
وكما رأينا جميعا ما بات يضرب كوكبنا في الأعوام القليلة الماضية من ظواهر وكوارث بيئية غير مألوفة من احتباس حراري وارتفاع لدرجة حرارة الأرض تارة وانخفاضها تارة أخرى ، وموجات التسونامي المدمرة التي حصدت معها أرواح عشرات الآلاف من البشر في السنوات الخمس الماضية ، بات لزاما ً البحث عن مصادر جديدة ونظيفة للطاقة أمراً ضروريا لا يمكن إغفاله أو التغاضي عنه .
وبعد هذه الاستهلالة المرسلة يحسن بنا أن ندخل في صلب الموضوع الذي كان الدافع الرئيسي لتناول مسألة " الطاقة الكهربائية " في هذه العجالة ، والمتمثل في المشاريع الجيبوتية الطموحة المتطلعة إلى التغلب على مشكلة الطاقة بحلول مثالية خلاقة ، ومواجهة التحدي الذي شكلته على مدى سنوات طويلة ممثلة عائقا أساسياً أمام التنمية في شتي مناحيها ، وعبئا يثقل كاهل قطاع واسع من الشعب الجيبوتي يعود السبب فيه إلى النقص الحاد في مستويات الطاقة الذي شكل هاجسا مستمراً للبلاد والعباد في السنوات الخالية.
وانطلاقا مما أسلفنا . . كان موضوع توفير طاقة كافية بأسعار مناسبة فضلا عن المساعي الحثيثة لتنويع مصادرها على رأس قائمة سلم الأولويات للحكومة الجيبوتية ، ومحوراً لسياساتها التنموية انطلاقا من إدراك عدم إمكانية التطلع إلى تحقيق أي تنمية أو نهوض دون التوصل إلى حل جذري لمشكلة الطاقة ، فبذلت جهود جبارة مسنودة بخطط ومشاريع طموحة مدفوعة بإرادة القيادة السياسية ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية ، الذي كان حل مشكلة الطاقة الركيزة الأساسية لبرنامجه الانتخابي ... والذي تعهد فيه بأن يجعل معاناة الجيبوتيين مع الكهرباء التي قد طال أمدها جزءاَ من الماضي ... وقد صدق ، وتجلى ذلك في عدد من المشاريع الطموحة بدءاَ بالمشروع العملاق المتمثل بالربط الكهربائي مع إثيوبيا والذي تم تنفيذه والانتهاء من جميع مراحله ليرى النور بعد سنوات من الدراسات والعمل الجاد المضني ليدخل حيز التنفيذ مع نهاية العام الماضي . وليس إنتهاءاً بالدراسات الميدانية التي أجريت مع خبراء ألمان للبحث في إمكانية استخلاص الطاقة الحرارية من باطن الأرض،
كما لا يمكن إغفال المشاريع الأخرى في ذات الإطار كالاستفادة من الطاقة الشمسية في توفير الكهرباء في المناطق الداخلية من البلاد وفي ضواحي العاصمة في بيكادوز وشبيللي وغيرها، بالإضافة إلى المشروع الأخير في باكورة تلك المشاريع والمتمثل في توقيع اتفاقية في الأيام القليلة الماضية مع شركة صينية لاستخلاص الطاقة من الموجات البحرية " المد والجزر " ومن حركة الرياح .
وقد أثمرت كل تلك الجهود أخيراًَ بالتدني الملحوظ لأسعار الكهرباء في الفواتير الأخيرة التي صدرت في هذه الأيام ، والتي شعر معها المواطنون بالسعادة الغامرة والارتياح لكن الوجه الأجمل والأكثر إشراقا في كل تلك المشاريع هو الحرص على تنوع مصادر تلك الطاقة النظيفة والمتجددة التي تأخذ صحة وسلامة البيئة في كوكبنا بعين الاعتبار .
محمد إبراهيم محمد