وهكذا ظهر اتجاه جديد في المسيحية يحي الهالة التي أضفتها التوراة على بني إسرائيل ، ويوجب على المسيحيين التدخل البشري لتحقيق وعود يهودية واردة في التوراة ، كما قام هذا الاتجاه بدعم اليهود والدعوة إلى قيام كيان لهم في فلسطين ، كما تزعم هذا الاتجاه حركة الدعوة لانبعاث اليهود وتسفيه التحقير المسيحي لليهودية ، والمطالبة بضرورة رفع الظلم والاضطهاد عن هذا الشعب المختار وفقا للإيمان الحرفي بهذا الكتاب المقدس . وبهذا أصبح هناك تراث ديني مشترك بين الفريقين. وأصبح النصارى يرون في قيام دولة إسرائيل جزاء من عقيدتهم . ومن هنا انحرف المسار. وتلاقى الطريقان ، والتقت اليد باليد ، وصافحت الكف بالكف ، وبتنا نرى اليوم انحياز الغرب انحيازا فاضحا للصهاينة المجرمين . ودونك كلمة السفير الأمريكي في إسرائيل عام 1954م حيث قال : لا يسعني إلا الفخر بما قامت به بلادي في إنشاء بلادكم و إنه لجدير بنا نحن الذين ندين بحضارتنا إلى الكثير من إلهام أنبياء بني إسرائيل متحدين مع أحفادهم في المهمة العظمى ، وهي بناء أمة حديثة في الأرض القديمة !! هذا التراث الديني المشترك أول العوامل وأقواها في هذا التحالف الذي لا تزيده الأيام إلا شدة ، ولا تزيده الحوادث إلا وضوحا وجـلاء . وهناك مزيدا من الأدلة على تأثير هذا الفكر البروتستانتي الجديد على المواقف السياسية لأمريكا وأوروبا ، لندرك أن الصراع ليس صراع مصالح فحسب ، وإنما وراءه خلفية دينية توراتية . وأبدأ بأمريكا رأس الحربة في الهجوم على الإسلام والمسلمين اليوم ؛ وسنرى كيف أن وقفتها مع اليهود وقفة دينية أولا ثم سياسية استراتيجية . إن أول ما أدخل أمريكا في حلبة الصراع مع إسرائيل ضد خصومها هو كثرة المهاجرين البروتستانت من أتباع مارتن لوثر إليها ، فقد فر هؤلاء من أوروبا نتيجة محاربة الكنيسة لهم وإهدارها لدمائهم فروا إلى الأرض الجديدة ، إلى أمريكا ، وكان لهذه الهجرات أثر بين في بلورة الشخصية الأمريكية إلى يومنا هذا . لقد كان هؤلاء المهاجرون مشبعين بالأفكار التوراتية إلى حد أنهم شبهوا أنفسهم بالمنفيين العبرانيين الذين ذكرتهم التوراة ، فقد أصحبت أمريكا في عرفهم كنعان الجديدة ، وصار فرارهم من الكنيسة كفرار بني إسرائيل من فرعون . بل إنهم أطلقوا على أبنائهم أسماء عبرانية مثل : إبراهام وسارة وأليعازر ، وفرضوا تعليم اللغة العبرية في مدارسهم وجامعاتهم ، وكانت أول دكتوراه منحتها جامعة هارفارد عام 1642م بعنوان ( العبرية هي اللغة الأم ) ، وكانت أول مجلة أمريكية هي مجلة اليهودي .ويعتقد هؤلاء البروتستانتيون المهاجرون إلى أمريكا أن المسيح سيحكم الأرض ألف سنة كاملة ، وأنه لا بد أن يمهد لعودة المسيح بعودة اليهود إلى فلسطين ، يعني أن مستقبل الشعب اليهودي أحد الأحداث الهامة التي تبشر بعودة المسيح ، فقيام إسرائيل أولى النبوءات المبشرة بعودته ، ولابد من أجل عودته كذلك أن تكون القدس عاصمة يهودية وأن يهدم الأقصى ، ويعاد بناء الهيكل في مكان قدوم المسيح .وهؤلاء المهاجرون يؤمنون أيضا بعقيدة أخرى هي عقيدة هرمجدون أو الحرب الكونية الثالثة التي ستقوم بين قوى الخير وقوى الشر وذلك بعد تحقق عودة اليهود إلى فلسطين وبنائهم الهيكل، و( مجدو ) التي تنسب إليها هذه الحرب أرض بفلسطين تبعد 55 ميلا عن تل أبيب . وهي الأرض التي كان الفاتحون القدامى يعتقدون أن أي قائد يسيطر عليها يمكنه أن يصمد أمام الغزاة . لقد آمن الكثيرون بهذه العقيدة حتى من كبار القسس والساسة الأمريكان ، وحسبنا أن الرئيس الأمريكي ريجان قال : إن هرمجدون نووية ولا مفر منها ولا يمكن تجنبها . وهذا التصريح الريجاني يعطينا تفسيرا مقبولا لحرص أمريكا على تخزين أكبر قدر من الأسلحة النووية في إسرائيل . ــ يتبع في العدد القادم بإذن الله ــ
شاذلي الحنكي