لا تتفاجأ عزيزي القارئ إن رأيت عقاقير طبية مختلفة ومراهم للمفاصل وأدوية للحلق والحنجرة على رفوف الدكان الواقع بجوار البيت الذي تسكنه. فالأدوية على ما يبدو أصبحت مثل البطاطس والمربى والخبز تباع دون رقيب أو حسيب، وبإمكانك أن تطلب»دوليبران» مع الشامبو ووسائل غسيل الصحون! فبجولة بسيطة في كل المحلات التجارية في سوق الذباب وكثير من الدكاكين والبقالات في مختلف الأحياء يمكنك الوقوف على الكمية الكبيرة من هذه الأدوية التي تعرضها المحال جنباً إلى جنب المواد الغذائية والمشروبات والفواكه، ولا فرق في طريقة بيع هذه المواد الكيميائية معروفة الخطورة عن أي سلعة من السلع، فالبائع يناولها للزبائن دون الالتفات أصلاً إلى ماهيتها أو كميتها أو مشتريها. والأدهى من هذا أن من بين المستحضرات التي توفرها بعض المحلات، مستحضرات وأدوية جنسية معروضة بشكل علني، بل يتم وضعها في مكان بارز ليتمكن المشتري من رؤيتها بوضوح، من بينها عوازل طبية ومعاجين وبخاخات غريبة تحمل عبارات مبتذلة مكتوبة بخط عربي عريض، دون مراعاة لارتياد أطفال وقاصرين لهذه الدكاكين. وفي جولة داخل بعض هذه المحلات رصدت «القرن» هذه الظاهرة واستطلعت آراء الناس بخصوصها، حيث أعرب مرتادو هذه المحال عن استهجانهم الشديد لعرض مثل هذه المستحضرات التي تفننت الشركات في الدعاية لها من خلال تقديمها بنكهات مختلفة وتلوين علبها بألوان مبهرة للعين تماماً كالعصائر والعلكة، فيما قال آخرون إن مثل هذه الأدوية والمواد الكيميائية يجب أن لا يسمح ببيعها أصلاً إلا على يد مختصين وفي الصيدليات فقط، مؤكدين أنها مهما كانت آمنة ومتداولة إلا أن إباحتها بهذه الطريقة يحولها إلى مواد خطرة وسامة وتؤثر على حياة الناس، ومن المعلوم أن الإكثار من أي دواء يسبب مضاعفات قد تصل للوفاة.
أين حماية المستهلك؟!
«لم أعد مضطراً للذهاب إلى الطبيب أو العيادة الخاصة والدخول في طابور طويل في انتظار دوري بسبب صداع بسيط أو دوار أو زكام مفاجئ، ما دام يمكنني شراء الدواء والمهدئات المؤقتة من دكان عم إبراهيم المجاور لبيتي، بهذه العبارة التهكمية بدأ المتحدثين حديثه لنا عن ظاهرة بيع الأدوية في البقالات والدكاكين.
ويضيف أحدهم : «هذه الظاهرة بدأت في البروز مؤخراً بشكل لافت وفي كثير من المحلات التجارية، وأنا أعتقد أن الداعم الأول لها هم الشركات الموردة لهذه الأدوية التي تحولت إلى سلع استهلاكية لا فرق بينها وبين أي مواد غذائية أو شامبوهات أو صابون»،
ونوه آخر إلى أن أصحاب هذه الشركات يعتمدون سياسة إعلانات وإشهار مطابقة لما نراه من منتجي العصائر والألبان بين الحين والآخر، فقلما يمر أسبوع - - دون إعلان ترويجي لعقار معين مفيد للصداع وقاهر للألم ومضاد للأنفلونزا في كثير من القنوات الفضائية وكأننا نتحدث عن حلوى أو علبة علكة.
خطير ببيع هذه المستحضرات في المحال التجارية بهذا الشكل ، فبإمكان طفل صغير لم يتجاوز ست أو سبع سنوات أن يشتري «كرتون بارستمول « دون أن يلحظه أحد، فالبائع عادة لا ينتبه للسلعة المباعة. ويمكنكم توقع النتائج حين يتعامل قاصر مع هذه المواد الخطرة.
مرهم..وفاتح شهية.. بثمن بخس!!
ولا تقتصر المواد الدوائية التي تعرض في البقالات التجارية على أقراص البنادول أو مشتقات البارستامول المعروفة، بل تضم مراهم للإصابات الرياضية والكدمات العضلية، ومقويات وعقاقير فاتحة للشهية وفيتامينات وغيرها.
و يلاحظ بأن هذه الأدوية والعقاقير تعرض بأسعار أرخص في الدكاكين مما تباع به في الصيدليات
توزيع هذه الأدوية بهذا الشكل الذي نراه اليوم في المحلات التي تبيع المواد الغذائية والدكاكين الصغيرة، لأن الاعتماد على أدوية البقالات يعد تصرفاً خاطئاً لعدة عوامل، منها أن طريقة حفظ هذه المواد والظروف التي تحيط بها قد تكون غير سليمة، وتؤدي إلى فسادها، كما أن الباعة لا يدركون مخاطرها ولا يفرقون بين نوعياتها، فمثلاً قد يشتري أحدهم علبة بنادول للزكام أو الحمى بدلاً من شراء البنادول العادي للصداع».
وأن من بين من يعتمدون على هذه الأدوية أمهات وربات بيوت قد يستخدمونها لعلاج أطفالهن الصغار أو حتى الرضع دون إدراك منهن لخطورتها على حياتهم، فقرص واحد مثلاً من المسكن العادي قد يكون قاتلاً إن أعطي لطفل لم يتجاوز عامه الثاني، كما أنه قلما يقرأ أغلب الناس النصائح ومحظورات الاستعمال المرفقة بالدواء.
والقاعدة أن الدواء مكانه الصيدلية.
جمال أحمد ديني