من الحقيقة التي لا يمتري بها اثنان، ولا ينكرها ذو شنآن، أن التعليم أساس كل حركة، وعماد كل نهضة، وبدونه تموت في مهدها أي فكرة ، وأن ثروة الأمم لا تقاس بما تحفل به الأرض من معادن وموارد، بل بما تكتنزه عقول أبنائها من علوم ومعارف وتقنيات. 

 ومن أجل أن يتطور التعليم في بلدنا الحبيب ويلبّي احتياجات العمل ويواكب مستجدات العصر ومستحدثات التكنولوجيا؛ جاءت فكرة إنشاء مدرسة فريدة من نوعها ترتكز على التكنولوجيات الرقمية، ففي ١٨ أكتوبر من العام ٢٠١٧ تحول هذا الحلم إلى واقع ملموس وإنجاز محسوس، فتم تدشين مدرسة التميز؛ وبمبادرة من رئيس الجمهورية السيد/ إسماعيل عمر جيله أخذت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني التوجيه وأنجزت وترجمت رحلة أمل أفرزت أجمل عمل. 

ومنذ ذلك التاريخ؛ تعتبر مدرسة التميز نموذجًا رائدًا وواجهة مضيئة لجودة التعليم في بلدنا، فهي طفرة تعليمية وقفزة نوعية في مجال التعليم القادر على استجابة الانفجار المعرفي، ومنارة حقيقية وبيئة مثالية لتأهيل كادر وطني يفخر بمجتمعه ويفخر به المجتمع. 

يمتاز هذا الصرح التربوي الشامخ بعدد من الخصائص والميزات التي تجعله شعلة متلألئة في سماء جيبوتي والمنطقة برمتها.

• تقع المدرسة في الحي المعروف بالكيلو ١٣ الذي يعد وجهة جديدة للمعيشة والترفيه، حيث يكثر فيه الإعمار والمجمعات السكنية الحديثة ويوجد في ضاحيته أحد أجمل وأكبر الصروح الدينية في البلد ألا وهو مسجد وجامع أم سلمة، هذا الموقع الفريد والهادئ ببعده عن الطرق السريعة والتقاطعات المزدحمة يمكّنها من تحقيق رسالتها بيسر وسهولة.

•نظام التعليم في المدرسة مختلف تماما عن غيره من المؤسسات التعليمية في جيبوتي حيث تنفرد بنظام تعليمي يقلل من الهدر المادي والزمني للطالب حيث يسمح له باجتياز صفّين دراسيين في عام واحد شريطة أن لا يقل معدله عن ١٥ من عشرين، وهذا خاص بالمرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسطة حيث ينهيهما الطالب بخمسة أعوام بدلًا من تسع، أما المرحلة الثانوية فلا ينطبق عليها النظام الجديد بل تبقى على ما كان معهودًا عليه ( الصف الدراسي في عام ). 

•يبدأ دوام المدرسة كالعادة عند الساعة السابعة والنصف صباحًا ويمتد إلى غاية الخامسة مساءً بالتوقيت المحلي، يستهل الطلاب يومهم الدراسي بطابور صباحي يصطفون فيه مرددين النشيد الوطني في أجواء غامرة بالبهجة والولاء للوطن، ليكون أول درس يتلقونه يوميًا عن الهوية الوطنية، ثم تندفع أفواج المتعلمين إلى قاعات الدراسة مرتدين زيّهم المدرسي الأنيق، وهكذا تتوالى الحصص واحدة تلو أخرى، إلى أن يحين وقت الاستراحة عند الساعة التاسعة وخمسين دقيقة، فيتوافدون على المقصف جماعات وفرادى، ويلطّفون بأحاديثهم المرحة أجواء ساحة المدرسة الساخنة، ثم يعودون إلى الفصول بطاقة متحفزة للانطلاق من جديد. وعند الساعة الواحدة ظهرا توفّر المدرسة للطلاب وجبة غداء غنّية متنوّعة - من مقبلات وأطباق رئيسية- تكفل لهم نموا بدنيًا وعقليا متلائما.

•قاعات الدراسة مزوّدة بأحدث الأجهزة الحديثة والوسائل التعليمية المتطورة، مما يتيح للطلاب اكتساب المعارف النظرية والعملية في آن واحد، بالإضافة إلى ذلك توجد قاعات لتوفير الراحة والاستجمام ولأخذ قسط من القيلولة والتي تمتد من الواحدة وحتى الثانية والنصف ظهرًا.

•المدرسة تسعى سنويًا لضخ دماء جديدة في شريانها وتعزيز مكانتها وذلك باستقطاب أفضل المواهب الشابة من جميع تراب الوطن لا فرق في ذلك بين القطاع الحكومي والخاص، فيتسارع الجميع  -الصغير قبل الكبير- لينهل من هذا المنهل الذي لا يغور ويستضيء بالمصباح الذي يعشو إليه الجمهور، فيتم إخضاع المترشحين لاختبارات قبول في ثلاث مجالات هي : اللغة الفرنسية والرياضيات والتفكير المنطقي كاختبار تمهيدي.

•ثم يجتمع الفائزون من الدور الأول داخل أسوار المدرسة لإجراء مقابلات شفوية يتم على إثرها معرفة من سينسج أحلامه ويرسم دروب المستقبل بين أحضانها، فالمدرسة رمز التميز وعنوان التألق وقبلة الموهوبين ومنبر المتفوقين .

•تمضي الأيام سراعًا وتمرّ مرّ السحاب، وتنقضي الأسابيع والشهور آخذة بعضها برقبات البعض، بالأمس كان الافتتاح واليوم مضت سبعة أعوام كلمح البصر أو هو أقرب، سبعة أعوام  من العمل الدؤوب والأداء المتفاني.

•وفي  عام ٢٠٢٢ أثمرت الجهود بتخريج أول دفعة من الطلاب المتسلحين بالعلم والمهارة، فكانت سنة حصاد ونتاج سنوات من العمل المصحوب بالإرادة، تخّرجت أولى الدفعات، فواصلت التوهج وحققت التفوق، وضربت أروع الأمثلة في العلم والأخلاق، وفي هذا العام ستتخّرج دفعة أخرى تسير على خطى الأسلاف، ولن تميل عن السكة أدنى انحراف. وهكذا في كل عام سيتواصل عطاؤها المتجدد وسيستمر نبضها  تباعًا. 

•كما تتمتّع المدرسة بكادر إداري وتدريسي ذي خبرة وكفاءة عالية، قادر على تأهيل كوادر وطنية تغوص الأغوار، وتمتطي التحديات والأخطار، ولا ترضى بغير الانتصار. 

•ويتم اختيار هذه الكوادر من قبل المفتّشين والموجّهين التربويين بمعايير محددة من بينها إتقانهم للتكنولوجيا وامتلاكهم لناصية اللغات وإجادتهم التعامل مع متطلبات العصر بفيض من المعرفة وسيل من المعلومات المتجددة والمتلاحقة، ونظير مثابرتهم وإخلاصهم وعطاءاتهم أغدقت عليهم وزارة التربية  الوطنية والتكوين المهني  بفيض من الامتيازات المعنوية والمادية بما يشكل حافزاً ودافعاً لبذل المزيد من الجهد والتميز المهني والذي  يسهم في الارتقاء بالمنظومة التعليمية.

•ويعد افتتاح هذه المدرسة من قبل وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني مسترشدة بتوجيهات القيادة الحكيمة للبلد، تتويجًا لجهود سنوات من التخطيط الاستراتيجي بتوفير تجربة تعليمية فريدة عبر إدماج التكنولوجيا في العملية التعليمية، ما يضمن بناء جيل مبدع من صناع القرار وبناة المستقبل وسفراء المعرفة. ولن تتوقف إنجازات الوزارة إلى هذا الحد فقط، بل ستمضي قدما وتتزايد نجاحاتها بخطى ثابتة نحو الأمام وخير دليل على ذلك افتتاح مدارس ثنائية اللغة في جميع محافظات الجمهورية.

 

الكاتب : موجي إبراهيم أبار، أستاذ اللغة العربية في ثانوية التميز