إن الصراعات والتوترات الأمنية التي  تشهدها منطقة البحر الأحمر في الوقت الراهن تلقي بظلالها على الأمن والسياسة والاقتصاد العالمي  وتؤثر سلبا في النقل البحري وتكاليف الشحن وحركة البضائع وتعرقل النشاط الاقتصادي المحلي والإقليمي والعالمي، مما يعني أن زعزعة الأمن والاستقرار في  هذا الممر شديد الأهمية يشكل تهديدا صارخا في وجه  الاقتصاد والاستثمار؛ ولهذا تتجلى أهمية وضرورة تأمين الملاحة في هذا البحر المهم،  فكلما حدثت حادثة أمنية في المنطقة انعكست آثارها السلبية على اقتصاد الدول المطلة عليه وعلى العالم.

وهذا يقودنا إلى تسليط الضوء على الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية للبحر الأحمر  الذي يعد طريقا مهما للتجارة البحرية والنقل البحري بين القارات الثلاث الكبرى إفريقيا وآسيا وأوروبا، وتمر عبره أكثر من  15% من التجارة العالمية.  ومعلوم أن أي أزمة أو تهديد في هذا الممر المائي يؤثر بشكل كبير على الحركة التجارية والنقل البحري في المنطقة والعالم بأسره، مما يستدعي تكاتفا  وتعاونا دوليا وإقليميا لحماية هذا الممر الدولي، دون أن نغفل أن أمنه بالدرجة الأولى مسؤولية الدول المطلة عليه لأنها أول المتأثرين بما يشهده من أحداث.

وعلى المستوى السياسي، يعتبر البحر الأحمر منطقة تتقاطع فيها مصالح سياسية متنوعة، وتتنافس فيها القوى الكبرى والدول الإقليمية حول المنافع الجيوسياسية في المنطقة، وذلك أمر يتطلب تعاونا فعالا بين الأطراف المعنية للمحافظة على الاستقرار وتجنب أي تصعيد سياسي يؤثر على الملاحة فيه  والمناطق المحيطة به.

وقد كان البحر الأحمر، وما زال، منطقة استراتيجية للقوى العسكرية على مر العصور، وقد استخدمته الامبراطوريات والدول الإقليمية لنشر القوات العسكرية وتأمين النقاط الاستراتيجية، وبرزت أهميته بصورة واضحة في أعقاب شق قناة السويس عام 1869م التي حققت الاتصال بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، وأصبحت أقصر الطرق وأسرعها بين الشرق والغرب، كما كانت السيطرة عليه أثناء الحرب العالمية الثانية أثراً في حسم معارك هامة في الحرب.

كان تأمين البحر الأحمر همّا مؤرقا منذ زمن بعيد، ويعد «ميثاق جدة» الموقع في 21/4/1956 بين السعودية ومصر والمملكة اليمنية المتوكلية، أول دعوة إلى إقامة «نظام أمني مشترك» في البحر الأحمر. واستمرت المملكة العربية السعودية مشكورة في جهودها المبذولة لحماية أمن البحر   الأحمر وإبعاد المنطقة من التدخلات السلبية سواء كانت دولية أم إقليمية. وفي هذا الإطار، جاء إنشاء مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة  على البحر الأحمر وخليج عدن، الذي يضم جيبوتي والسعودية والصومال والسودان ومصر واليمن والأردن وإرتيريا، في السادس من يناير 2020 بقيادة المملكة وليكون مقره الرياض، لكنه لا يزال في انتظار التفعيل والتدشين الرسمي ليتولى  المهام المنوطة به.

لا يمكن في أي حال فصل البحر الأحمر عن مجمل مصالح القوى الكبرى في العالم، فهو ممر دولي وشريان اقتصادي مهم، وعليه فإن من الضروري توحيد الجهود الإقليمية بالدرجة الأولى ومعها الدولية للحفاظ على أمن هذه المنطقة لما فيه خير شعوبها وشعوب العالم قاطبة، والتوترات الأمنية التي يشهدها البحر الأحمر في الوقت الراهن تحتم تفعيل مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن وتعاون المجتمع الدولي لضمان سلامة الملاحة وعدم انقطاع الإمدادات، ومكافحة الأنشطة الإجرامية البحرية مثل القرصنة وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر. والدول المطلة والمستفيدة من التواصل عبره هي الأكثر تضررا من تداعيات أي أزمة في هذا البحر المهم. وينبغي ألا يكون أمنه عرضة لتجاذبات وتدخلات سلبية من أطراف خارجية تُؤثر مصالحها الذاتية على حساب الأمن العالمي المشترك، كما أنه من الضروري جدا العمل الجاد والصادق لحلحلة مختلف الأزمات في المنطقة ووضع حد نهائيٍ لها، والتكاتف على مختلف المستويات الإقليمية والدولية من أجل الحفاظ على أمن وسلامة الملاحة في البحر الأحمر.

لقد كان موقف جيبوتي والمملكة العربية السعودية ودول أخرى، العمل من أجل تحقيق الاستقرار في الصومال والسودان واليمن وهي دول مطلة على البحر الأحمر، كما أن لتداعيات حرب غزة الأخيرة التي قلبت موازين المنطقة والعالم نتيجة الممارسات الإسرائيلية في قتل أكثر من 30 ألف نسمة أثراً سالباً ومقلقاً له انعكاساته الخطيرة تجاه استقرار المنطقة برمتها والذي يعتبر البحر الأحمر ممراً هاماً لها.

 

بقلم / ضياء الدين سعيد با مخرمة 

سفير جيبوتي في الرياض