نظريات شاذة كلنا نعلم أن علم الإدارة أحد العلوم الإنسانية الذي يهتم بالأعمال في المؤسسات العامة والخاصة. ويعتمد على مجموعة من القواعد والمبادئ العلمية التي تُدرّس في الكليات والمعاهد والجامعات، كما يعتمد على مجموعة من الإجراءات والأنشطة الفنية التي تعود لأصحاب الميدان، وكلها كانت من وضع الإنسان من خلال الخبرة والممارسة (إدارة الأعمال) ومن خلال دراسة الأنظمة والحضارات القديمة والحديثة (الإدارة العامة). وتتميز هذه القواعد والمبادئ، كغيرها من العلوم الإنسانية، بقابليتها للتجدد حسب الزمان والمكان وعدم ثباتها إلى الأبد. وكون علم الإدارة كعلم قائم بذاته علم حديث، لم يتجاوز القرن من عمره، ظهرت فيه وما زالت تظهر نظريات مختلفة، أولها النظرية التقليدية وأخيرها النظرية اليابانية. ومن بين تلك النظريات نظريات غريبة أراها أنها من شذوذ علم الإدارة، ولكل علم شذوذه. من هذه النظريات والتي أراها أنها تخدم لأصحاب المصالح الخاصة فقط: - نظرية الرجل العظيم أو الطبقة العظيمة: وتعتمد النظرية على وجود أفراد يولدون وهم عظماء، ولذلك فهم الأحق بالقيادة والمسؤولية، كما تستند النظرية أفكارها من الحضارات القديمة مثل الإغريقية والفرعونية والفينيقية التي كانت تميز بين البشر باعتبار أنهم فئات وطبقات، ومنهم طبقة القادة العظماء. ويعتمد القائد هنا على عنصر الولاء له أكثر من عنصر الكفاءة، لأن الكفاءة اجتمعت وانتهت فيه ما بقي حيًا. والمطلوب من الآخرين هو فقط الولاء التام (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد). وهذا المفهوم يعني أن كل من ينتمي إلى الطبقة الفلانية أو القبيلة الفلانية قادر على قيادة الآخرين، وحتى لو وضعت شروط للقيادة فلا تنطبق هذه الشروط إلا في الطبقة أو الفئة المعينة. هذه النظرية هي التي تبقي اليوم المسؤولين وأبناءهم في مواقعهم طالما بقوا أحياء، وهي التي أبرزت (آية الله) على الرئاسة باسم ولاية الفقيه حسب المذهب الشيعي، مهما كان جاهلًا عن دين الله. وهي التي أيضًا من عندنا كمجتمع تقليدي جعلتنا لا نختار السلاطين أو شيوخ القبائل إلا من قبائل معينة... والنماذج في ذلك كثيرة. نحن لا نعرف كبشر هل الإنسان إنسان عظيم قادر على قيادة الأمة؟ إلا إذا شهد له بذلك رب العزة عز وجل مثل الرسل عليهم السلام، وتمت تزكيته من عند الله (وإنك لعلى خلق عظيم)، أو أسند إليه أمر فننظر كيف يعمل فنحكم عليه بعد الاختبار، مهما كانت طبقته أو قبيلته. أما القول بأنه إنسان عظيم لأنه من الطبقة أو الفئة الفلانية، فذلك هي المصيبة الكبرى وليس من الإدارة. أسلوب الإدارة العمودي هو الأسلوب الذي يسمح للمعلومات أن تتدفق من الأعلى إلى الأسفل فقط، ويرفض العكس، مع أن العكس هو الصحيح، ما دام أصحاب الميدان هم الأدرى، والأنظمة المركزية هي التي تفضل هذا الأسلوب وتتبناه. والموظف الذي يشبه عربة اليد، ولا يتحرك إلا بأمر من الإدارة العليا، هو المناسب لهذا الأسلوب، فهو أسلوب لا يناسب إلا من لديه قابلية لتلقي الأوامر وتنفيذها كما هي، دون أن يسأل عن المطلوب منه أو يتوقف على ما إذا كان ضمن واجباته ومهامه، أو ما إذا كان ما يطلب منه تنفيذه صحيحًا أم خطأ. وأمثال هؤلاء هم الذين لديهم قابلية للاستعمار، ولا يصلحون إلا للعمل تحت الأنظمة المركزية والقمعية، لأنهم يعرفون مسبقًا أن أفكارهم لا تحترم ولا تؤخذ بعين الاعتبار، أو لا تجد آذانًا صاغية لدى صاحب القرار. هذا الأسلوب، كما أوضحت «لولي داسكال»، خبيرة ريادة الأعمال والقيادة المجتمعية، وصاحبة كتاب «فجوة القيادة»، يؤدي إلى وجود تحكم تام بمجريات العمل، وتقليص لمساحة الحرية والاختيار الذاتي، مما يؤدي إلى قلة الإبداع. ولهذا تنصح «داسكال» بإفساح المجال للموظفين لتطبيق أفكارهم، مما يزيد دافعهم الإيجابي لإفادة العمل. على المدير ألا يأمر إلا بما فيه مصلحة للمؤسسة، وعلى الموظف ألا ينفذ إلا ما هو صحيح. أما أن يكون الموظف عبدًا للمسؤول يردد ما يُطلب منه دون تفكير، بعيدًا عن مهنته التي اختير من أجلها، فهذا الذي ليس من الإدارة. بقلم د. عثمان فريد، أستاذ الإدارة بالجامعة.