برعاية رئيس الجمهورية السيد/إسماعيل عمر جيله ، أقيم في مدينة عرتا يوم الخميس الماضي حفلا بهيجا لإحياء الذكرى الخامسة والعشرين لمؤتمر السلام والمصالحة الصومالية، والذي عقد في ذات المكان عام 2000م، ومهّد الطريق لوضع دستور مؤقت وتشكيل برلمان وحكومة انتقاليين، ليصبح عبد القاسم صلاد حسن أول رئيس مؤقت للبلاد منذ أكثر من عقد.

وشارك في هذه المناسبة الرئيس الصومالي السيد/ حسن شيخ محمود، والرئيس السابق السيد/ شريف شيخ أحمد، و4 رؤساء وزراء سابقين للصومال، إلى جانب رئيس الوزراء السيد/ عبد القادر كامل محمد، ورئيس الجمعية الوطنية السيد/ دليتا محمد دليتا، والسيدة الأولى رئيسة الاتحاد الوطني لنساء جيبوتي السيدة/ خضره محمود حيد، واعضاء الحكومة، بالإضافة إلى رئيس المفوضية الأفريقية السيد/ محمود علي يوسف، والأمين التنفيذي لمنظمة الإيجاد ورقينه جبيهو ، والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية محمود العجوزي، فضلا عن مئات المواطنين الجيبوتيين والصوماليين من مختلف الشرائح، ونواب صوماليين شاركوا في مؤتمر عرتا عام 2000.

وعلى هامش الحفل ، قام رئيس الجمهورية ونظيره الصومالي بافتتاح «نُصب تذكاري للسلام الصومالي» الذي تم تشييده في الموقع الذي أقيمت فيه الخيمة التاريخية التي احتضنت مؤتمر عرتا للمصالحة الوطنية عام 2000، كما تم تدشين متحف عرتا الذي يوثق محطات مهمة من تاريخ الصومال السياسي والاجتماعي منذ عام 1960 وحتى عام 2025، ويضم صورا ووثائق نادرة تبرز مسار بناء الدولة الصومالية الحديثة، وجهود المصالحة الوطنية التي انطلقت من عرتا قبل ربع قرن.

وقد ألقى رئيس الجمهورية السيد/إسماعيل عمر جيله، كلمة استهلها «‎نحمد لله الذي مَنَّ علينا بأن نلتقي مرة أخرى في منتدى السلام في عرتا، لكن هذه المرة في ظرف مختلف عن ظريف الأمس.

إذا استرجعنا ذكريات الأمس، نجد أن هذا المجلس الذي نلتقي فيه كان أرضا خالية، وكان شأن موضوع الملتقى آنذاك يبدو كذلك ويحمل تلك الصورة. ‎في ‎عام ١٩٩٩، وضع شعب جيبوتي مسؤولية قيادتهم على اكتافي ، بينما كان العالم يمر وخاصة منطقتنا بمرحلة انتقالية صعبة، وكانت الدولة التي يتعين علي أن أقودها ضعيفة للغاية في ذلك اليوم. ومهما كان الأمر، لم يُخفِ ذلك عني المشكلة التي كانت بجواري، وهي الدمار الهائل الذي لحق بأخي الكبير الذي سعى معي بالأمس لنيل استقلالي، وله الامتنان من دولتي». وأشار رئيس الجمهورية إلى أن الأزمة الصومالية كانت أنداك محنة دامت عقدًا من الزمان، ولم يكن في الأفق تسوية للسيطرة عليها، موضحا ان الحرب الأهلية وانهيار الدولة في الصومال كانا أمرًا فزع منه العالم وشُعر به في كل مكان، في ظل فشل الجهود ومحاولات إحلال السلام التي بدأت في جيبوتي قبل عشر سنوات، والتي لم تؤت ثمارها بإعادة بناء دولة.

وأضاف رئيس الجمهورية :» عندها كنا نساءلنا: هل انتهى من الصوماليين الحكماء الأخيار ؟، هل فقد العالم ضميره ولم يعد مخلصا للقضية الصومالية؟، هل تعب الجيران بعد المحاولات العديدة التي قيل إنها وصلت إلى 16 مرة، وتوقفوا عن مساعي تسوية الأزمة؟ تعلمون أننا تجرأنا على الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام 2000 لكي نوقظ ضمير المجتمع الدولي ونبين الخطر الذي يمكن أن يهدد العالم من الفوضى والحرب الأهلية القائمة في الصومال.

لقد دهشوا بنا ، لكننا قوبلنا بالقبول والوعد بدعم جهود إعادة البناء التي شرعنا فيها». كانت تلك الدعوة بمثابة جرس وصلت نغمته إلى كل الصوماليين أينما كانوا. وقد وردتنا ردود أفعال إيجابية تحمل التشجيع والتوجيه من جميع أنحاء الصومال ومن المهجر. تلقينا من جميع منظمات المجتمع المدني، والمثقفين، والشيوخ والزعماء التقليديين، والمنظمات النسائية والجامعات، إشادة ودعمًا لا حدود لهما.

 وقد شجعنا هذا الأمر أكثر على الوفاء بالعهد الذي قطعناه.

من ناحية أخرى، عندما كثفنا التشاور، اتضح لنا أن السبب الرئيسي لفشل المؤتمرات السابقة هو غياب التنسيق بين الدول المهتمة بالسلام في الصومال، وكان لا بد من توحيد الجهود وتوجيهها نحو مسار واحد.

عندئذ، بدأنا في البحث عن المجتمع المدني الصومالي؛ سواء كانوا علماء، أو شيوخ وزعماء تقليديين، أو مثقفي الأمة، أو منظمات المرأة والشباب. وقد مر هذا الأمر بعد ذلك بالمراجعة والتمهيد، والتوجيه والتنقيح، والشكاوى من المظالم مقابل الاعتذار والتسامح، لقد أبعدنا هذه العملية من التدخل الأجنبي ومن كل هادف لسوء توجيها، وأخرجناها من كل عقبة واجهتها».

وأردف» بعد ذلك، تم اختيار لجنة ووضع قانون، ثم أُعلن عن دستور مؤقت ودولة مكتملة، احتُفل بذلك، وسمع العالم أجمع الأغاني التي بشرت بالعودة من جديد...وإشراق فجر جميل.

ورحبت مجالس منظمات الإيجاد، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة العالم الإسلامي، وجامعة الدول العربية، الرئيس الذي اُنتخب في ذلك اليوم فخامة السيد/ عبد القاسم صلاد حسن، ومهدت هذه الجهات الطريق لاستعادة مقعد الصومال في الأمم المتحدة الذي ظل غائبًا عن الطاولة لفترة طويلة.

وبصفته الرئيس الذي اخترتموه والكثير من أعضاء البرلمان الحاضرين، فإنكم تستحقون الثناء على دوركم في إنجاح مؤتمر عرتا عام 2000، وبدلك تصبح مكانتكم صفحة ذهبية في تاريخ الأمة الصومالية. ويجدر بنا أن نتذكر الكثيرين ممن كان دورهم لا يُقدر بثمن ولم يعيشوا حتى اليوم، وقد توفاهم الله، فادعوا لهم بالرحمة والمغفرة وأن يسكنهم الله فسيح جناته. آمين».

وأضاف رئيس الجمهورية قائلا « ونحن نستذكر اليوم مؤتمر عرتا للسلام الذي مضى عليه وقت، فمن الواجب علينا أن نتساءل: هل بلغنا الأهداف التي كنا نتوخاها منه؟ نعم، يمكننا أن نقول ذلك، عندما ننظر إلى الهيكل العام المكتمل للدولة وإلى العلاقات الدولية. بالأمس كان الاهتمام موجها لمقعد الصومال في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أما اليوم ، فقد بات الصومال في مكانة أعلى ويساهم في صنع القرار بشأن الأمن ‎العالمي، حيث يمثل أفريقيا ضمن العدد المحدود من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي.

إن هذا لم يأتِ بسهولة، وتعلمون مقدار الجهد الذي بُذل من أجله. وليس هذا فحسب، بل أصبح الصومال عضوًا نشطًا وله تأثير كبير في العلاقات الدولية، يكتسب ثقة العالم يومًا بعد يوم.»

‎في الختام، نقول لشباب الصومال: اعلموا ان المستقبل لكم ، وتقع على عاتقكم مسؤولية كيفية ضمانكم ان تعيشوا في سلام ورخاء. لا تسمحوا بان تشكل ‎أخطاء آبائكم والمظالم التي قامت بها القببلة التي تنتمون إليها، عقبة امامكم في الطريق نحو المستقبل المشرق التي يمكنكم أن تصنعوه .

فكروا، وأمعنوا التفكير، في المستقبل الذي ‎أنتم مسؤولون عنه. أضيفوا شيئا إلى ما هو جيد لدينا، ولا تجعلوا أخطاءنا ذريعة لتقاعسكم.» ‎وأردف ‎»أما بالنسبة للصوماليين في المهجر المنتشرين في العالم، فإنني أثني عليكم بكيفية تأقلمكم مع العالم ومساهمتكم في بناء وطنكم الأم.

ولكني ‎أقول لكم: لا تكونوا سببًا في تقسيم شعبكم، وامضوا قُدمًا. واعلموا أن ‎أطفالكم بحاجة إلى بناء صومال موحد يسوده السلام. جودوا على وطنكم وشعبكم ‎بالمعرفة والخبرة التي تكتسبونها من البلدان التي تقيمون فيها. واعملوا ‎على رفع اسم بلدكم وشعبكم الصومالي ولا تخفضوا من سقف طموحكم وتطلعانكم.»

‎ أما القادة الذين قادوا الصومال والذين يتولون المسؤولية الآن، فإنني ‎أذكرهم بالصعوبات التي مروا بها من أجل بلادهم. وأنا على يقين من أنهم ‎أحرص من غيرهم على وحدة شعبهم وسلام بلادهم.

آمل أن تتحلوا بالتسامح والتنازل بعضهم لبعض. إذا كنت بالأمس أقول لكم « ادعموني «، فاليوم أقول ‎لكم «ادعموا بعضكم البعض» ولا ‎تقودوا دولتكم وشعبكم إلى المعانات مرة أخرى.

وفي ختام كلمته، سلط رئيس الجمهورية الضوء على مؤتمر عرتا للمصالحة الصومالية في عام 2000م، قائلا « لقد كان مؤتمر عرتا للسلام نقطة مضيئة في تاريخ أمتنا، ودفعتنا فكرة بناء النصب التذكاري له إلى إنشاء مؤسسة تُسمى «معهد عرتا للسلام (API)» لتعلم الدروس المستنبطة من هذا المؤتمر، موضحا أن المعهد سيكون منتدى للسلام ، ومركزًا للأبحاث، ومنصة لتحليل السياسات وإثراء المعرفة والفهم.

لقد رأينا أن نخصص معهد عرتا للسلام لدراسات قائمة على فكرة وفلسفة صنع السلام التي نجحت في مؤتمر عرتا للسلام، والتي يمكن أن تؤخذ دروسها كمعيار وهدف كلما دعت الحاجة.

وسيصبح جسرًا يربط بين الأمم ورمزًا يشار إليه في ثقافة الحوار ومنع الصراع.» من جهته، أشاد الرئيس الصومالي السيد/ حسن شيخ محمود، بدور جمهورية جيبوتي في مسار السلام الصومالي، مؤكدا امتنانه الكبير للدعم التاريخي الذي قدمته جيبوتي في سبيل استقرار الصومال ووحدته.

وأعرب الرئيس حسن شيخ محمود عن تقديره العميق للرئيس إسماعيل عمر جيله ولشعب وحكومة جيبوتي على دورهم الأخوي والمخلص في استضافة مؤتمر المصالحة عام 2000، الذي مهّد لعودة مؤسسات الدولة الصومالية، مشيرًا إلى أن المرحلة الحالية تتطلب من الصوماليين أنفسهم استكمال مسيرة البناء والإصلاح.

وقال الرئيس الصومالي: «نقول لإخوتنا في جيبوتي إننا نثمّن عاليًا ما قدموه لنا، لكن واجب إعادة الإعمار والنهوض ببلادنا يقع اليوم على عاتقنا نحن الصوماليين، ولا ينبغي أن ننتظر أحدًا ليسير بدلًا عنا في هذا الطريق.»

كما وجّه دعوة مفتوحة إلى جميع فئات الشعب الصومالي من القادة التقليديين والسياسيين، ورجال الأعمال والمثقفين، والشباب والنساء لحشد الطاقات وتوحيد الجهود الوطنية بروح المسؤولية والعمل المشترك من أجل بناء مستقبل مستقر ومزدهر للصومال.