إن من يتابع التهويل الغربي للبرنامج النووي الإيراني يظهر له جلياً عدم براءة الحملة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية الغربية التي تواصل حشد الرأي العام الدولي حول خطورة هذا البرنامج على الاستقرار والأمن والسلام على الصعيد الدولي إخفائهم حقيقة أبعاد مرامي هذه الحملة التي تفتقد إلى المصداقية لأنها تتعاطى مع هذا الملف انطلاقاً من إصرار غربي وأميركي على اخفاء حقيقة ما يمثله الكيان الصهيوني وترسانته النووية من تهديد للأمن والاستقرار للوطن العربي والإسلامي.
وتهدف التحركات الغربية من خلال تضخيمها للمخاطر التي يشكلها هذا الملف إلى تسهيل مهمة تصدبها للطموحات الإيرانية المشروعة وضرب قوة المثل الذي يشكله الإصرار الإيراني على حقيقتها بامتلاك التكنولوجيا المتقدمة، ونقل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن لاستصدار قرارات تسهم في تضييق الخناق على إيران ومحاولة حشدها وتذليل أي عقبات تواجه حقيقة النوايا الغربية التي تنطلق من ضرورة منع إيران من تطوير تكنولوجيات تساعدها على تخصيب اليورانيوم لاستخدامه لأغراض مدنية دون مساعدة الغرب وعدم الاكتراث لكل المبادرات والمحاولات الإيرانية لإعلان حسن نواياها اتجاه طمأنة العالم والبشرية واستعداداتها المتواصلة للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أضف إلى ذلك الادعاء بحق الصهاينة في ممارسة ضغوط على الدول الكبرى لدفعها للمبادرة بإتخاذ قرار بمنع إيران من مواصلة تطوير برنامجها التكنولوجي من خلال استخدام القوة النووية بديل الدبلوماسية التي أتبعتها اللجنة السداسية بفعل دور وتأثير العامل الصيني الرافض لخيار القوة العسكرية والمصر على عدم استنفاذ الوسائل السياسية والدبلوماسية لحل مشكلة الملف النووي.وتحضرني هنا المواقف الأميركية والأوروبية في توجيه الانتقادات اللاذعة للمسئول السابق لوكالة الطاقة الدولية (البرادعي) لأن تقارير الوكالة تشير في محصلتها وفي غالبيتها للطابع الإيجابي للعلاقة الإيرانية مع خبراء الوكالة ومفتشيها الذين يقومون بزيارات للمنشآت النووية ومستوى التعاون الحكومي الإيراني مع طلبات وأسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإخفاء حقيقة الضغوط والإملاءات الصهيونية التي تصر على الادعاء بأن إيران تمتلك برنامجاً عسكرياً رغم التأكيدات على عدم حاجة إيران لهذه التكنولوجيا في الاغراض العسكرية، والتي يقدمها الساسة والسياسيون في دوائر صنع القرار في الدول الغربية والصهاينة.
إن محاولة رفع سقف ما يسمى بالعقوبات الذكية التي تنشط لها دبلوماسية صهيو- أمريكيا - من أجل انتزاعها من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن في ظل رفض الصين وأطراف في روسيا لهما بسبب بوادر توتر في العلاقات بينهم وللمواقف والسياسات التي تتخذها الإدارة الأميركية بخصوص الإصرار على دعم تايوان بالسلاح بقيمة 6 مليارات دولار لإثناء الصين من استمرار مناهضتها للإجراءات الغربية ضد إيران وتفضيلها مواصلة اللجنة السداسية سلوك خيار المفاوضات السليمة والحل الدبلوماسي.
إن الغاية من وراء حملة صهيو - أميركية التي كشفت عنها وزيرة الخارجية الأميركية أثناء زيارتها لبعض دول المنطقة هي محاولة لمواصلة اعتبار إيران فزاعة ومصدر ابتزاز لدول الخليج لتقبل بالرؤى والتصورات حول مدى الخطورة التي يشكلها الملف النووي الإيراني على أمن واستقرار المنطقة بحيث تستلم تلك الدول بشكل نهائي لمخططات صهيو - أميركية وحلفائهما حول ضرورة أن يباشر قادة الشرق الأوسط بتبين هذه المخططات والقبول بالحلول التي يقدمونها ما يجعل منطقة الخليج مرتعاً ومكاناً للموساد والأساطيل الأميركية مما يشكل أداة حراسة طوعية بمباركة بعض من قادة العرب للكيان الصهيوني ومصالحة الإستراتيجية العليا تنطلق من مبدأ الحفاظ والالتزام باستمرار تفوق بالكيان الصهيوني على الإقاليم بأكمله والسهر على توفير كل متطلبات الاضطلاع بموقع رئيسي في تقرير مصير المنطقة ومستقبلها، فالمصلحة القومية الوطنية لدول الخليج وضرورة ارتباطها بالمصلحة العليا أن تنعم تلك المنطقة الإستراتيجية والممول الرئيسي للعالم بالطاقة بالأمن والاستقرار، وهذا ما لا توفره التقاطعات والقواعد والتهديدات المتواصلة، بل باضطلاع دول المنطقة بدور فاعل في توفير الأجواء ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بحوارات عميقة وصريحة وحرص مشترك على توفير الثقة المتبادلة والأمن والاستقرار وبرعاية المصالح المشتركة وحل أي مشكلة تقف حجر عثرة في طريق اضطلاع كل دول المنطقة بدور تكاملي لحماية الأمن والاستقرار وإرسال رسالة للعالم تقول أن دول المنطقة عربياً وإسلامياً قادرة على تأمين إمدادات النفط وحماية التجارة الدولية بحيث لا تحتاج لأساطيل ترعى مصالح صهيو - أمريكا على حساب ضمان الأمن والاستقرار، وبما يوفر للبشرية إمكانية إطفاء بؤرة توتر هامة ويسهم في تعزيز الأمن والاستقرار عالمياً وبما يمهد الطريق لميلاد منظومة إيجابية من العلاقات الدولية والمصلحة العربية الإيرانية تقتضي أن يترفع الطرفان عن المشكلات الجانبية ويوفر ظروفاً أفضل لتطوير العلاقات الثنائية والتعاون المشترك بديلاً من سياسة التوتير والشحن التي يسببها تغليب بعض المشكلات والمحاولات الصهيونية الأميركية لإبقاء العلاقات الغربية الإيرانية في كساد.
وكما قلت فإن المصلحة المشتركة تقتضي إفساح المجال من كلا الطرفين لتذليل أي عقبات أو معوقات يمكن أن تشكل مدخلاً للتدخلات الأجنبية وقدرتها على الاستفادة القصوى من الجو غير الإيجابي وعدم الثقة التي تحكم العلاقات بين الدول العربية وإيران وأياً كانت الأسباب فإن الواجب والمصلحة المشتركة تقتضي أن توضع كل نقاط الخلاف على بساط البحث الأخوي الجاد والعميق لتذليلها خدمة لفتح صفحة جديدة في العلاقات الأخوية المشتركة التي ستطيح حتماً بكل العوامل والأسباب المعيقة لخلق منظومة أمنية قادرة على حمل منطقة باعتبارها أهم منطقة إستراتيجية في العالم منطقة سلام وإستقرار خالية من الأساطيل الحربية والقواعد العسكرية التي تشكل مظهراً من مظاهر التدخل المباشر بخيرات المنطقة وثرواتها.

عبد الرحمن حسن رياله
عضو في البرلمان