الحمد لله الذي منَّ علينا بنعمة الإسلام والصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وبعد:ـ
إن من بلايا هذا الزمان، هيمنة المادية الغربية على ثقافة المسلمين، والتي ساعدت على انتشار ثقافة الجهل من جديد، بتسميات مغلفة وملفقة وحقيقتها المرض العضال والسم الزعاف، وأخذت تعمل في المجتمعات ليل نهار , قال الله تعالى: ? قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ ءآَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ?
ولقد شاهدنا الممارسات القبيحة لصور الجاهلية السابقة في جوانب شتى من الحياة بغير علم، حتى نشأ الجهل من جديد وتخلفنا وتخلفت مجتمعاتنا , وابتعد بعض الناس عن حكم الله، وخالفوا أمر الله في نهيه ومن ذلك ممارسة اليانصيب الذي حرمه الله في كتابه ودل عليه حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ومرد ذلك كله الابتعاد عن هدى الله العظيم، يقول ابن القيم : ( فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة في المفسدة التي حرمت لأجلها ) .
تعريف القمار:
تعريفه اصطلاحا : مال يجمع من جميع الناس بغرض الدخول بعملية الحظ.
حقيقته: أن تعلن هيئة أو شركة أو نادي بجائزة ثمينة للفائز إثر بيع قسائم بأرقام متسلسلة بأعداد كثيرة، يختار نهاية المطاف أحد الأعداد، أو اشتراك بثمن معلوم بدخول نادي أو دخول سوق تجاري،أو إلخ وبعدها تجرى قرعة باختيار أحد الكروت الموجودة عبر القرعة، أو من خلال بيع سلعة معينة يزاد في سعرها أو ينقص من جودتها عبر كوبون ويطبع منها الآلاف، ثم تجمع من خلال هذه العملية أموال كثيرة يؤخذ جزء منها ثمن الجائزة وبقية الأموال للقائمين على المسابقة أو للشركة البائعة .

أنواع اليانصيب:

نصيب شراء السلع
الأول: النصيب على أشياء مستورة:
جرت العادة في بلدان كثيرة بيع أدوات بسيطة على الأطفال على أساس الحظ والنصيب، بثمن وصورته أن يأتي الطفل إلى البقال ويدفع له مبلغ من المال للدخول في عملية الحظ والنصيب،في فتح خانة مغلّفة في كرتون غليظ مقسم إلى مربعات، ليحصل على ما بداخلها، ويكون بداخلها أشياء ويظهر له شيء إما بسعر أقل مما دفع أو شيء بسعر أكثر مما دفع، وهذه صورة من صور اليانصيب.
الثاني: النصيب على أشياء مرئية :
تتعدد صور اليانصيب على أشياء مرئية في الواقع، ولها حكم اليانصيب طالما قومر بها في مال وحظ ومصادفة وكلما سافرت إلى منطقة تجد مخترعات جديدة في اليانصيب، وأذكر هنا بعض الصور في ذلك :
1- أن يظهر الباعة أشياء ثمينة مخلوطة بأشياء غير ثمينة وتعرض للنصيب عبر أرقام للاختيار، بعد دفع ثمن الدخول في عملية اليانصيب
2- يقوم بعض الباعة بعمل رقعة من خشب أو غيرها وقطعة حديد مستطيلة مدببه(علامة يعرف بها الفائز) من طرف مغروس في وسطها مسمار ومثبته بالمسمار بوسط الرقعة حتى تصير سهلة الحركة ثم توزع أشياء على حافة الرقعة بعضها ثمين وبعضها غير ثمين وتوزع إما على أربع جهات إذا كانت الرقع مربعة أو أكثر وتحرك القطعة الحديد فتدور بسرعة إلى أن تقف فإذا جاء الرأس المدبب على شيء ثمين أخذه المراهن وإذا جاء على شيء غير ثمين أخذه المراهن وإذا لم يأتي على شيئاً لم يأخذ شيء ويخسر، وكثيرا ما يكون هذا اليانصيب في الأسواق.
3- يانصيب الأرقام، يقوم بعض الباعة في بعض الأسواق بجمع أكوام من السلع فيها أنواع كثيرة منها ما قيمته ثمينة ومنها ما قيمته قليل وتافهة، وقد تكون البضاعة محمولة في سيارة أو مفروشة في الأرض ثم يسجل أرقاماً في دفتر ونفس الأرقام في البضائع وتجرى عملية البيع بثمن معلوم وفق الحظ والمصادفة في السلعة في فتح الدفتر والحصول على الرقم المدفوع ثمنه أو بوسائل أخرى .
4- نصيب عبر آلة : يقوم البعض بتوصيل سلك (إما متعرج، أو مستقيم) بين طرفي تيار كهربائي , ويصنع دائرة ضيقة من سلك رفيع تمثل أحد قطبي التيار، ويطلب من المشترك أن يمرر السلك من بداية الطرف الأول إلى نهاية الطرف الثاني ويرصد له جائزة عينية أو نقدية إذا مرر السلك دون أن يحدث التماس في قطبي التيار .
ثالثا : يانصيب تجارية مبنية على السحب:
صورته هي أن يرغب أحد ببيع سيارة، فيحدد لها ثمناً بمائة ألف فرنك مثلا، ويعمل ألف كرت مرقمة قيمة الكرت ألف فرنك للدخول في المسابقة ثم يجري السحب على هذه الكروت ويختار كرت الفائز بالقرعة والنصيب وتخسر الكروت الباقية وفي حاشية المختار : (البيع بالرقم فاسد، لأنَّ فيه زيادةَ جهالةٍ تمكنت في صلب العقد وهي جهالة الثمن برقم لا يعلمه المُشْتري فصار بمنزلة القمار ولقد سئل الشيخ / عبد العزيز بن باز عن اليانصيب : فأجاب هذه المعاملة من القمار .
وأوضح أن هذه المعاملة تعتبر من القمار وهو الميسر الذي حرمه الله والمذكور في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) [المائدة:90، 91]، فالواجب على ولاة الأمر وأهل العلم في الفجيرة وغيرها إنكار هذه المعاملة والتحذير منها، لما في ذلك من مخالفة كتاب الله العزيز وأكل أموال الناس بالباطل، رزق الله الجميع الهداية والاستقامة على الحق
رابعا: يانصيب مبنية على التشجيع على الشراء : وصورته أن تعرض شركة من الشركات أو محل من المحلات أو مصنع من المصانع بضائعها ( مسابقات البسكويت، والصابون .....) على الزبون بزيادة القيمة أو قلة في جودتها وترصد جائزة للفائز بكوبونات مخفية في البضاعة والذي يحصل على الرقم المطلوب يحصل على جائزة ثمينة كل هذه الأنواع من اليانصيب التي حرم الله في كتابه وحدث بها المصطفى - صلى الله عليه وسلم -ووجه التحريم فيها:
1- خسارة طرف وربح طرف وهذا وجه القمار المحرم.
2- التردد بين الربح والخسارة وهذا أيضا من وجه القمار المحرم .
3- قائم على الحظ والمصادفة في الربح وهذا أيضا من وجه القمار المحرم.
4- أكل للمال بالباطل وهذا أيضا من وجه القمار المحرم
وأدلة التحريم :قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ )، وقوله -صلى الله عليه وسلم- : " من قالَ لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق " (9)، وهو قائم على أكل أموال الناس بالباطل، واستنـزاف أموالهم، بطرق ما كرة، وحيل ملتوية ومحرمة، والله يحرم أكل المال بالباطل، قال تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْولَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَـطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تجارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)

دكتور /عمر إسماعيل عمر
مدرس اللغة العربية في ثانوية
الدولة