أصبح من المألوف في أروقة الأمم المتحدة سماع صوت ومبادرات السلام التي تأتي من أرض السلام جمهورية جيبوتي عندما تتعقد الأوضاع الأمنية في المنطقة ويسود العنف وتكثر التهديدات والتحديات أمام السلام، ونعتز بشهادة وإشادة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالقدرات التي تتمتع بها بلادنا في مجال ترسيخ القيم والمبادئ التي تدافع عنها الأمم المتحدة أثناء لقائه برئيس الجمهورية في مقر الأمم المتحدة ضمن زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ونتشرف بأن تكون جيبوتي شريكاً هاماً للمنظمة الدولية يتمتع بالأمن والاستقرار في منطقة تعصف بها القلاقل والاضطرابات كما أوضحه أيضاً بان كي مون، وفي هذا الإطار وضمن مساعي جمهورية جيبوتي لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع المنطقة ألقى رئيس الجمهورية السيد/ إسماعيل عمر جيله في الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن الدولي حول السلام والأمن في إفريقيا خطاباً يعلو فيه صوت السلام ويشيع مبادئ حسن الجوار وثقافة الحوار لإحلال الأمن ويدافع عن قيم السلم في وقت يتزايد أعداؤها في المنطقة، ويجسد تطورات الأوضاع الأمنية في المنطقة ويضع كل جهة أمام مسئولياتها لدعم جهود السلام، ويقدم اقتراحات لإنقاذ شعوب المنطقة من استمرار الحروب الإقليمية والأهلية التي لازمتها في العقود الثلاثة الماضية، ويستشرف آفاق السلام في المنطقة التي تعصف بها الصراعات.رحب رئيس الجمهورية في مستهل خطابه بعودة لبنان إلى الساحة الدولية بعد أن تجاوز محناً وصراعات شهدها خلال الفترات السابقة، التي جعلت منطقة الشرق الأوسط تتسم بالصراعات، ويؤكد ذلك اهتمام جمهورية جيبوتي بإستتاب أمن المنطقة المحيطة شرقاً وغرباً والإشادة بمشاريع السلام الناجحة ودعم جهود المصالحة، فإذا تغلبت هذه المنطقة على الصراعات فإن الأوضاع في منطقة القرن الافريقي لم تشهد تغيراً كما أشار إليه الرئيس في معرض تناوله للأوضاع في هذه المنطقة من العالم . وذكر أن الأوضاع التي تناولها في كلمته أمام مجلس الأمن في 23 أكتوبر 2008 عن المنطقة لا تزال سائدة إلى يومنا هذا، وأكثر من ذلك يحتمل أن تتطور الأوضاع على نحو خطير يفاقم تداعياتها على المنطقة ولا شك إن تداعيات تدهور الأوضاع الأمنية والأزمة المالية العالمية ستحكم قبضتها على حياة سكان القارة عموماً وسكان القرن الإفريقي خصوصاً , وتصدرت خطاب السلام للرئيس التطورات والمستجدات في منطقة القرن الإفريقي التي لا تبعث على الأمل في ترسيخ الاستقرار وتفعيل جهود إحلال السلام والحفاظ على الأمن ففي الصومال ما زال الشعب الصومالي يعيش في مأزق واستمرار دوامة العنف والفوضى والدمار في ظل ظروف معيشية صعبة ويقاسي أهوال التشرد والحروب وتواجه الحكومة الصومالية تحديات وتهديدات كبيرة تحول دون القيام بمهامها للحفاظ على الأمن والاستقرار ووقف التقدم الذي يحققه المناوئون لها وتتمثل هذه التحديات في الأوضاع المتدهورة وافتقار الحكومة إلى المقومات اللازمة لمواجهة المتشددين الذين يضيقون الخناق عليها وذكر الرئيس في خطابه أن القوات الصومالية المحدودة تعاني من نقص حاد في الموارد المالية وأن إخراج المتمردين من العاصمة يتطلب سلسلة من الإجراءات في المجال الأمني ، وضرورة احتواء أي خلاف يحدث بين مؤسسات الحكومة الاتحادية الانتقالية وأضاف الرئيس أن التداعيات الخطيرة التي نشأت من غياب الأمن في الصومال ومنها ظاهرة القرصنة لا تزال حاضرة بقوة بالرغم من المساعي الدولية التي تبذل للقضاء عليها وأكد من جديد أن حسم المسألة يتطلب إيجاد حلول ناجعة لانعدام الأمن وتفشي الفقر في الصومال . إن الأزمة الصومالية تتطلب اتخاذ إجراءات فورية ودعم المجتمع الدولي ولذلك قدم رئيس الجمهورية جملة من المقترحات لإنقاذ الشعب الصومالي حيث دعى المجتمع الدولي للتدخل بسرعة في القضية قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة وتمكين الحكومة من إخراج الجماعات المتطرفة من مقديشو لإعادة الأمن والاستقرار في الصومال وإنهاء النزاع الدائر طوال العقدين الماضيين وحذر من مغبة التقاعس عن مواجهة هؤلاء الذين يسعون للإطاحة بالحكومة الشرعية المعترف بها دولياً وإقامة نظام حكم متطرف يهدد دول المنطقة بأسرها وطالب الأسرة الدولية بممارسة الضغط على الأطراف الرئيسية في الخلاف الذي نشب مؤخراً بين مكونات الحكومة الاتحادية الانتقالية وضرورة وضع حد له ، وينم ذلك عن حيادية موقف جيبوتي في التعاطي مع الخلافات التي تقع بين أوساط الحكومة الصومالية وحرصها على تحقيق السلام والاستقرار في الصومال ودعم جهود وعملية المصالحة وقد نشأت الحكومة الحالية من إتفاق المصالحة الذي أبرم في جيبوتي والذي يعتبر جزءاً من مبادرات وجهود المصالحة التي قامت بها جيبوتي لحل قضية الصومال وبهذا الخصوص أيضاً شدد الرئيس أمام مجلس الأمن على أن مأساة الشعب الصومالي تستلزم التضامن ومساعدته بشتى الوسائل الممكنة حتى يخرج من محنته . وتطرق رئيس الجمهورية في خطابه عن السلام في المنطقة إلى النزاع الحدودي بين بلادنا وإرتريا وأوضح أن هذه هي المرة الثانية التي يطلع فيها مجلس الأمن الدولي على تطورات اعتداء ارتريا على جمهورية جيبوتي واحتلالها لمنطقة دوميرا وجزيرة دوميرا الذي مر عليه عامان والذي من شأنه أن يشكل تهديداً للأمن الدولي وأشاد بإدانة مجلس الأمن الدولي بهذا الاعتداء ومطالبته ارتريا بالانسحاب من الأراضي الجيبوتية ووقف العداوة بين البلدين ولمواجهة تقويض السلام وإشعال فتيل الأزمة استجابت جيبوتي لهذا النداء وسجت قواتها إلى مواقعها السابقة والتزمت بإتباع الدبلوماسية لإدارة هذه الأزمة وواصلت طوال العامين الماضيين مساعيها الحميدة لدى المنظمات الإقليمية والدولية لحل هذه القضية وفق الشكل الذي يتناسب مع الدور الذي يقوم به رئيس الجمهورية وجهوده لإحلال السلام والحفاظ على الاستقرار في المنطقة ويبعدها عن شبح الحروب كمسألة ذات أولوية قصوى وبصورة تتفق مع القانون الدولي وحظيت هذه الدبلوماسية الجيبوتية بالإشادة والتنويه من قبل المجتمع الدولي كما أوضحه الرئيس . ومقابل موقف جيبوتي الذي أكد أن جيبوتي أكبر من أن تحشر في زاوية النزاعات ، أنكرت ارتريا أساساً وقوع أي مواجهة عسكرية بين الطرفين ورفضت بالتالي تلبية دعوة مجلس الأمن إلى الانسحاب وعلى خلفية رفضها الانصياع لتعليمات المجلس الأمن التي طالبتها بوضع حد لاحتلالها للأراضي الجيبوتية والشروع في إجراء حوار جدي من أجل حل النزاع بالطرق الدبلوماسية أصدر مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر 2009 القرار 1907 الذي فرض عقوبات عليها .وأكد رئيس الجمهورية مجدداً أن الهم الأول لبلادنا هو العيش في سلام ووئام مع دول الجوار والاستقرار وحماية سيادتها وتعزيز الاستقرار الذي تنعم به وليست لها أطماع في أراضي جيرانها .وأوضح الرئيس أن تصرفات ارتريا مع لجنة العقوبات يبدو منها أنها اختارت متابعة إستراتيجيتها المعروفة والمكشوفة وذكر أن ارتريا فرطت مرة أخرى في الفرصة الذهبية التي أتيحت لها وهي معالجة القضايا الرئيسية في القرارين 1862 و1907 وأظهرت عدم اكتراثها لمجلس الأمن والدول المجاورة لها واستمرارها في تشويه الحقائق وأشار ألى أن إرتريا تعمل منذ عام على زعزعة الأمن والاستقرار في جمهورية جيبوتي من خلال تدريب عناصر تخريبية وإرسالها إلى البلاد. وأكد أن جيبوتي يقظة حيال هذا التهديد الذي يستهدفها والذي يعتبر خرقاً للقرار 1907 .
وتناول الرئيس في خطابه تصميم جيبوتي في الاستمرار على درب التنمية ومسيرة البناء ومكافحة الفقر والسباق المارثوني نحو تطوير البلاد وعلى أرض الواقع زار رئيس الجمهورية بورصة نيويورك ضمن زيارة العمل التي قام بها إلى الولايات المتحدة واستقبله لدى وصوله هناك رئيس العمليات في هذه البورصة التي تتطلع بلادنا إلى إيجاد نوع من الشراكة معها في إطار مساعيها الرامية إلى أن تصبح مركزاً اقتصادياً وتجارياً في منطقة القرن الإفريقي .
إن الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الأمن الدولي حول السلام والأمن في إفريقيا أحدث دوياً في أروقة مجلس الأمن لأنه يحمل صوت السلام الذي يقرع الأجراس دائماً للحفاظ على استقرار المنطقة ولا تتغير نغمته حتى إذا تعرض للاعتداء ويعزف على وتر السلام ويتبنى مشاريعها .
و ونتساءل نحن والمنطقة متى يصل صدى هذا الصوت إلى الإقليم ويغير أوضاعه الأمنية على ضوء ما جاء فيه .

عبد السلام علي ادم