تنشأ علاقة أي واحد منا مع القات في بداية الأمر في ظل أجواء يسود فيها السلام والوئام ولا يعكر صفوها توتر العلاقات ونشوب عداوات، وخوض صراعات مريرة مع الصديق الذي يلم شمل الأصدقاء ويأنسون به ويجلب الفرحة ويمنح نشوة "المرقان" ويعلي شأن جلساته التي تتميز بالجاذبية وتفتح أبواب النقاش على مصراعيه، حيث لا يوجد موضوع محرم من النقاش في بلاط حضرته ويسمح أن يكون من يجالس خير جليس كما يعتبره بعض الناس صاحب فكر وعلم ولو للحظات ويمنح شهادات فخرية تجيز لمن يحملها أن يدلو بدلوه في مجالات كثيرة.
فهل تبقى علاقات جميع المخزنين مع القات حميمة أو طبيعية على الأقل؟ وهل يدوم هذا الوئام والسلام؟ وهل تحافظ جلساته هذا السحر والجاذبية؟ عندما تتوطد علاقة الشخص مع القات ويحرص على أن لا تنفصم عرى الصداقة بينهما في أي وقت ويواظب على تناوله بشكل يومي ويكون عضواً بارزاً في جمعية مدمني القات، سوف يبدأ عهد تدهور العلاقات أو مراجعة تقييم جدوى إقامة علاقات إستراتيجية مع هذه النبتة عندما يفرض تعاطيها التزامات مادية تفوق قدرة المتعاطي وتستنزف ميزانيته المتواضعة وتريد أن تزاحم حتى على قوت عياله وأن يستحوذ تسديد فواتيرها النصيب الأكبر من دخله وتشوه سمعته أو أمانته، ويتسبب الإفراط في تناولها تفريطاً في تحمل مسئولياته نحو أسرته، وتدخله في أزمات مالية لا أول لها ولا آخر وتقل إنتاجه في العمل، وتخلق مشاكل مع أقرب الناس إليه، والمحيطين به، وتضعف تواصله مع أسرته وأهله وجميع الناس الذين يتواجدون خارج نطاق دائرته، وبعد أن يفرق من إجراء هذا التقييم على ما آلت إليه أحواله بعد تمتين وتعزيز علاقاته مع القات ويعقد مقارنات بين ماضيه وحاضره.
ويدرك حجم المضاعفات الصحية التي تترتب على عادة تخرين القات ويتأمل المواقف المحرجة التي وجد نفسه فيها جراء ولعه به وحرصه على ازدهار العلاقات فيما بينهما أي - بين المتعاطي والقات - يجد نفسه أمام حقيقة مرة وهي أنها جلبت له مزيداً من التدهور والتقهقر إلى الوراء لا مزيداً من التطور والنماء وليس فيها أي تبادل وإنما تجند مفعول الرغبة لتناول القات لسلب أموال وصحة وكرامة المتعاطي وإثر إدراكه هذه الحقيقة يقرر في لحظة انفعال وبلوغ الغضب ذروته قطع علاقاته الدبلوماسية مع القات ويشحن ضميره الذي يتهمه بالغباء وعدم تقدير الأمور لإنجاح هذا القرار ويستجمع شتات إرادته لتكون سلاحاً فتاكاً يحقق النصر في الصراع مع القات ولتأكيد عزمه على التغلب في هذه المعركة يؤدي إيماناً مغلطة للتخلي عنه ويستخلص من قواميس السب جميع ألفاظ الشتائم ويقذفه في وجهه ، وهناك من يكتفي بتخفيض مستواه الدبلوماسي مع القات في صراعه معه ويريد أن ينسحب تدريجياً من ميدان التخزين ليؤول نجمه إلى الأفول بعد سطوعه وتدور رحى معركة الصراع مع القات في ساحات مغلقة ومفتوحة حيث يبدأ الصراع داخل الشخص بين الإرادة والرغبة الملحة لتخزين القات وإذا استمر هذا الصراع قد يخرج إلى الشارع وتشهد أماكن بيع القات الجزء الأخير الذي يسدل الستار على هذه المعركة بعد أن يتغلب مفعول "الحرارة" على الإرادة وهناك مشجعون كثر لطرفي الصراع فالذين لا يخزنون القات يدعمون موقف من يصارعه أما أصحابه القدامى في نادي المخزنين يؤيدون موقفه هذا بطرف اللسان ويغرونه بالجلوس معهم ولو عند المناسبات. ويتبع من يعلن الصراع مع القات أساليب متعددة لكسب الرهان منها رسم خريطة جديدة للأصدقاء ومواقع جغرافية للهروب من عادة التخزين وقد يلجأ البعض إلى تقوية وازعهم الديني والانخراط في نشاطات دعوية.
وقد يحقق البعض نصراً مؤزراً في هذا الصراع ويتجاوز عادة تعاطي القات وتكون شيئاً من الماضي وإن كان عليه أن يحترس منها ولو طالت السنين لكي لا تعيد الكرة.
ويتساقط آخرون كثيرون في ساحات الصراع مع القات ولا يقدرون على التخلص منه وإن كانت هناك أسباباً ضرورية تستدعي ذلك كأسباب صحية تمنع المريض من تناول القات وخاصة عندما يواجه المريض صراعاً مع مرض مزمن حاد، ومع كل أسف نرى أو نسمع في أقسام الطوارئ في المستشفيات مرضى يؤدي إخفاقهم في صراعهم مع القات إلى إضعاف الصراع مع المرض. أو مواجهة الخطر.
في حين يُفصل بعض الأشخاص من وظائفهم لعدم امتثالهم لقرار إدارات العمل بمنع تناول القات أثناء العمل أو بسبب نتائجه العكسية على أداء العمل ويمثل بقية أمام المحاكم الشرعية لأنهم يخصصون راتبهم لحساباته دون نفقات الأسرة.
كل هؤلاء أصبحوا يخضعون لأسر القات ولا يقدرون على التخلص من أغلاله وفقدوا حرية اتخاذ القرار في تصريف شئون حياتهم فكيف يتغلب هؤلاء في الصراع مع القات.

عبد السلام علي آدم