الناس ضروب وألوان، يتفاوتون بتفاوت الزمان والمكان.. والرجال معادن ومواقف فيها يتنافسون وبها يقوّمون. فكم من رجل عمر طويلا وقضى فمضى فلم يحفل به أو يذكره أحد، ولم يترك له أثرا يخلده فيسجل اسمه في صفحات التاريخ ..وهذا الصنف هو الأكثر عددا ويشكل الغالبية العظمى ممن ذهبت أسماؤهم مع الريح.. ومع ذلك فهناك رجال عظماء أبوا إلا أن يكونوا عظماء ..وهبهم الله قلوبا جريئة ونفوسا تعشق العلا فتكاد الدنيا على سعتها تضيق أمام آمالهم وطموحاتهم ، وهم يستعذبون الآلام في سبيل تحقيق الآمال. وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام فكم من رجل وهبه الله عزيمة قوية وإرادة صلبة وعشقا للصدارة في كل حال ، ظل مصرا على الرقي إلى مستوى الطموح بعطائه ومواقفه فيستقطب جمهورا غفيرا من المحبين المؤيدين الملتفين حوله.. رجل أصر وبكل كبرياء الرجال ، وبعناد فيه شموخ الجبال الراسيات..أصر أن يلعب دورا يكافئ طموحه ويناسب موقع بلده التاريخي..بلده ينبغي أن تعود إلى الصدارة كد ولة إسلامية كبرى كانت إلى عهد قريب مقر الخلافة الإسلامية التي استمرت عقودا من الزمن لها القول الفصل في جلّ القضايا..إن التاريخ يعيد نفسه فهاهو الزعيم التركي رجب طيب أردوغان ينتفض بكل جرأة وشجاعة ليفرض نفسه زعيما عالميا ذا ثقل وصوت مسموع في كافة القضايا إيمانا منه بأنه لا مكان في هذا العالم إلا للأقوياء، وكن قويا يحسب لك العالم ألف حساب..
أدرك أردوغان ببعد نظره وفكره النير أنه لا يمكن أن يكون بعيدا عن محيطه الإسلامي، مكتفيا بالفرجة .. تحرك رجل تركيا القوي وحفيد العثمانيين ليواجه الغطرسة الإسرائيلية ومن لف لفها فيتصدى لها بكل ما أوتي من عزيمة فيندد ويستنكر ويشجب سياستها واعتداءاتها في فلسطين ولبنان..وانطلق يمد يده لدول الجوار يعزز الروابط الأخوية معها ويرمم الجسور التي تربطها بتركيا.. برز الدور التركي عبر أردوغان واضحا ومؤثرا في مواقفه من القضية الفلسطينية وفرض نفسه بجدارة ليحتل الصدارة في كل وسائل الإعلام مقروءة ومرئية..
يؤكد الأتراك ـ يوما بعد يوم من خلال مواقفهم الحاسمة الحازمة أنهم رجال سياسة من طراز خاص، فها هم يؤكدون بمعاونة بريطانيا والكويت، وأيضا اليونان التي كادت تشهر إفلاسها، ولديها مظاهرات جراء خطة التقشف من جديد ـ أن مواقفهم جريئة من خلال إعلانهم عن تسيير سفن تركية ـ أوروبية إضافة إلى الكويت إلى غزة من أجل العمل على تخفيف الحصار عنها، وتقديم مساعدات لها.
مثل هذا الموقف، وغيره من المواقف التركية، يعد دليلا على مواقف تركيا، حيال نصرة الحق في وجه الباطل، ومناهضة الظلم.
هناك بعض الأصوات تفسر المواقف التركية ممثلة في رئيس حكومتها رجب طيب أردوغان بأنها للدعا ية أكثر منها للتعاطف الحقيقي مع غزة، ومع القضايا التي تواجه الأمة الإسلامية، وأن ذلك يحدث من أجل رغبة تركيا في ممارسة النفوذ في العالم العربي والإسلامي بعد فقدانها عضوية الاتحاد الأوروبي، إلا أن الواقع يخبر بعكس ذلك.
فالمواقف التركية التي كان آخرها تسيير سفن تركية ـ أوروبية إلى غزة " أسطول الحرية" للعمل على فك الحصار عنها، وتقديم مساعدات لها، وتقديم مساعدات لترميم المسجد الأقصى، خير دليل على احترام تركيا قيم الإنسانية والعدالة، وحقوق الإنسان، وقبل ذلك احترامها لنفسها، ولدينها الإسلامي.
فرغم أن مواقف تركيا من شأنها أن تسبب لها مشاكل مع خصومها، إلى جانب احتمال تأثير ذلك على فرص انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، إلا أنها تقف بحسم وصرامة صامدة، ثابتة على مواقفها لصالح الحق والخير، لذا فإنها تستحق الاحترام والتقدير، هي وكل من يسير على نهجها لنصرة الحق، وإبطال الباطل، ونصرة المظلومين من المسلمين أو غير المسلمين.
ما يقوم به الأتراك بمساعدة دول أخرى، من أجل الدفاع عن دينهم الإسلامي، وحماية مقدساتهم الإسلامية، والدفاع عن الحق في مواجهة الباطل، يجدر أن يقوم به العرب والمسلمون ـ على أقل تقدير ـ ما لم يكن أكثر منه.
فيصل مختار
Minnesota, USA