بادئ ذي بدء ، أود الإشارة إلى أن حب الوطن والحنين إليه أمر طبيعي , حتى في الحيوانات ، فالإبل تحن إلى مباركها والطير تبكي على عشها ، والأسد يعشق على عرينه وغابته ، والوحوش تأنس بوركها ، وإذا كان هذا شأن الحيوانات ، فإن الإنسان بحب وطنه ورعايته أولى وأجدر ، أما الدفاع عن الوطن وحماية الحمى غريزة طبيعية أودعها الخالق في هذا الإنسان ، بل وان هذا الحب للوطن من الإيمان والقتال في سبيل الدفاع عنه واجب من الوجبات المقدسة . والحديث عن يوم عيد الاستقلال الوطني ما زال فعلا ولا يزال إلى الأبد عالقا في أذهاننا على مدى الأيام والأعوام ، وذلك كونه رمزاً للوحدة الوطنية والألفة والتضامن لشعبنا العزيز الذي كان مناضلاً من أجل أن يثبت نفسه على حيز خريطة الوجود ، بالرغم ما اكتنف ذلك من الصعوبات والويلات والعذاب للحصول على حرية كانت حقيقتها مريرة في ظل واقع محك وصعب ، وفي عالم يتنافس على المادية والهيمنة على الدول الضعيفة إذ لا يعرف للروح معني ولا للحرية ذوقاً ولذة ، ولما صاحب هذا اليوم من التجارب التاريخية والحقائق الناصعة والمواقف النضالية المشرقة التي سجلت في أروع صفحات المجد الخالد لما يلفت للانتباه لأخذ الدروس والعبر ، ولما لهذا اليوم من أهمية خاصة تميزه عن غيره من الأيام ، نسلط عليه الضوء من خلال ما واجهه شعبنا المناضل وأبطالنا البواسل - أدخلهم الله جميعاً فسيح جنانه - في تصديه للاستعمار الذي كان يرفض حق شعب جيبوتي في تقرير مصيره بنيل الاستقلال واخذ مكانته ومقعده المرموق بين مقاعد الأمم . لم تقتصر سياسة الاستعمار على فرض سيطرته على تحركات شعبنا المناضل من أجل الحرية فقط ، بل قام بنهب خيراته ، واستنزاف موارده الطبيعية وكذا استخدم جميع قواه وأساليبه والوحشية لتعذيب المناضلين عمداً بدون مبرر وقتلهم علناً ونفيهم واغتيالهم ، كما حاول العمل على تفتيت وحدة الجماهير لإضعاف المقاومة الوطنية ، وحرص على زرع عملائه في كل مكان من البلاد ليقدوا المعلومات عن التحركات المناوئة له وزعامات هذه التحركات ، إلا أن الاستعمار فشل في تحقيق هذه الأهداف البغيضة في نهاية المطاف ، وقويت شوكة السياسيين الوطنيين البارزين آنذاك وعلى رأسهم القائد والأب المغفور له حسن جوليد أبتدون والمناضلان الكبيران محمود حرب فارح ، وأحمد ديني احمد رحمهم الله تعالى جميعاً . وبذلك نجح الشعب الجيبوتي المناضل وقادته في إقامة جبهة موحدة الصفوف ، وافشل مخططات الاستعمار التي كانت تهدف إلى إثارة النعرات العرقية والقبلية بين المجتمع الجيبوتي الصغير . ويشهد التاريخ بان التعذيب والاضطهاد ومحالات التفريق كانت مصدر قوة عزم شعبنا على بذل المزيد من التضحيات لنيل حريته الكاملة التي حققت في 27/06/1977 م .
ونحن نحتفل بالذكرى الثالثة والثلاثين لهذا الحدث التاريخي ، لا يفوتني أن أقدم دعائي لإخواننا المناضلين الشهداء الذين قضوا نحبهم في سبيل نيل الحرية الغالية-رحمهم الله جميعاً وتغمدهم فسيح جناته وعظيم نعمه إنه نعم المولى ونعم النصير .

بقلم سليمان عبد الله علمي