لم يكن هناك توجه إسلامي أيديولوجي في سياسة تركيا الخارجية الراهنة فيما يتعلق بإسرائيل فإن تدخل تركيا المتزايد في الشرق الأوسط تقوده المصلحة بالأساس ويجب فهمه على هذا النحو في المواجهات مع إسرائيل بسبب غزة إلى الصفقة النووية الإيرانية التي تم اقتراحها مؤخراً بالإشتراك مع البرازيل كانت تركيا في دائرة الضوء العالمية في الآونة الأخيرة لأن حزب العدالة والتنمية الحاكم ينتمي إلى تقاليد تركيا الإسلامية وكثيرون يرون تحول الأحداث التي وضعت تركيا في بؤرة الاهتمام العالمية على أنه نتيجة لتحول أيديولوجي في سياسة تركية الخارجية وأود أن أقول هنا إن معظم هذه الأحداث بما فيها حادثة قافلة الحرية الأخيرة التي ربما تكون قد غيرت طبيعة العلاقات التركية الإسرائيلية تنبع من أسباب هيكلية تتعلق برؤية تركيا الجديدة لنفسها "كقوة محورية" في الشرق الأوسط، فإن لتركيا وإسرائيل اليوم رؤى متباينة للشرق الأوسط بحيث أصبحت أولوياتهما ومناهجهما في السياسة العامة لا يمكن التوفيق بينهما، كما أن هناك أيضاً شعوراً بالمنافسة وبموجب قاعدة "الشراكة النموذجية" التي أثارها للمرة الأولى الرئيس باراك أوباما في أول زيارته إلى بلد ذي أغلبية مسلمة بعد انتخابه، وتعتقد أنقرة أنها تستطيع صياغة علاقة جديدة مع الولايات المتحدة كشريك رئيسي لها في المنطقة في عملية تضعف حتماً من مكانة إسرائيل إن مفتاح تحقيق رؤية تركيا هو نظام شرق أوسطي يرتكز على التكامل الاقتصادي والاستقرار السياسي وتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هو الشرط المسبق لوجود مثل هذا النظام ولكن سياسات إسرائيل الراهنة تعيق المسار إلى هذا السلام، فما زالت إسرائيل تعارض بثبات رفع الحصار عن غزة أو الالتزام الجاد بعملية السلام ذات مصداقية، وتعتقد تركيا أنه يجب إنهاء الحصار وإيجاد طريقة لإشراك حماس في العملية السياسية وهو مشروع طموح بلا شك، ففي ذات الوقت تواصل تركيا ارتباطها بإيران رغم الانتقاد بأن طهران تستخدم هذه الجهود لشراء الوقت من أجل المزيد من تخصيب اليورانيوم وهي كذلك مازالت تثير قضية المخزون النووي الإسرائيلي في كل منتدى متاح في هذا المضمار يبدو أن مثابرة تركيا قد أتت بثمارها حيث مرر مؤتمر مراجعة معاهدة خطر الانتشار النووي في نيويورك مؤخراً قرارا بدعم من الولايات المتحدة يدعو إسرائيل على فتح برنامجها النووي أمام الفحص الدولي وفي ضوء هذا السياق تم النظر إلى الهجوم الإسرائيلي الدموي على قافلة مساعدات غزة على نطاق واسع في تركيا على أنه نتيجة لقرار إستراتيجي اتخذه الإسرائيليون لإحباط هذا النشاط الفاعل الجديد وحتى لو كان هناك توجه إسلامي أيديولوجي يمكن إدراكه في سياسة تركيا الخارجية الراهنة فيما يتعلق بإسرائيل فإن تدخل تركيا المتزايد في الشرق الأوسط تقوده المصلحة بأساس ويجب فهمه على هذا النحو، أما من يصرون على تفسير إسلامي لسياسة تركيا الخارجية الجديدة فهم يتجاهلون تماماً الانفتاحات على الدول غير الإسلامية في البلقان والقوقاز ناهيك من روسيا، أما الرؤية المشروحة بشكل واضح لنشاط تركيا الفاعل الجديد الذي تقوده المصلحة تأتي من وزير الخارجية التركي الحالي ففي رأيه إن موقع تركيا في مركز ما يسميه "النطاق الأفرو أورو أسيوي" حيث كانت إمبراطوريات التاريخ العظيمة تسود في يوم من الأيام، يمكنها من الرقي مستوى "القوة المحورية" للمنطقة كلها وبإلغاء الصراعات مع جيرانها - سياسة الصفر من المشكلات ستكون تركيا قادرة على تعزيز قيادتها الإقليمية ولعب دور عالمي رئيسي في البيئة الإستراتيجية ما بعد الحرب الباردة وحسب وزير الخارجية التركي هناك أربعة مبادئ توجه العلاقات مع الممثلين الإقليميين الآخرين.
- حوار آمن مبني على الفهم المشترك للأمن.
- حوار سياسي رفيع المستوى مع الجميع.
- اعتمادي سياسة اقتصادية متبادلة في العلاقات الإقليمية تجعل الحدود لا معنى لها عن طريق إنشاء مناطق تجارة حرة.
- تعايش وتناغم متعدد الثقافات ومتعدد الأديان وسيكون لبروز تركيا كلاعب مستقل واثق بنفسه بل ربما مفرط في الثقة نتائج مهمة تشكل المنظر الجيوسياسي في العقود المقبلة ولمواجهتها لرفض واضح في طموحها لعضوية الاتحاد الأوروبي، فقد قرر الرأي العام التركي أنه من الأفضل لبلاده أن نتخذ طريقها الخاص بها وللمفارقة ففي الوقت الذي يتسبب فيه الخلاف في الاتحاد الأوروبي في تلاشي نفوذه العالمي ستصبح تركيا أهم كثيراً كقوة إقليمية ستحدد روابط تركيا عبر الأطلسي بشكل متزايد بعلاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة بدلاً من كونها جزءاً من أوروبا إن لم تتحول علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي للأفضل في وقت قريب ويمكن أن تمثل كل من إيران من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى عقبات كبيرة أمام أسلوب جديد من التعاون بين الولايات المتحدة وتركيا وأن تركيا يمكن أن تكون لاعباً أساسياً في المساعدة على حل كلا الصراعين وفي أي من الحالتين ستكون العلاقة الجديدة علاقة تقوم على المساواة بشكل أكبر من أي وقت مضى في التاريخ الحديث.

عبد الرحمن حسن رياله
عضو في البرلمان