لم تكن الصناعات الصغيرة وليدة عصرنا الحاضر فحسب بل هي الأساس الذي قام علية اقتصاد البشرية منذ آدم عليه السلام إلى اليوم حيث لم يكن اقتصاد الأمم الغابرة اقتصاداً ضخماً ولم تكن لديهم صناعات ثقيلة أو مشروعات كبيرة الحجم من حيث رأس المال أو الأيدي العاملة بل كان اقتصاداً فرديا أو اسريًا أو بيتياً أو جمعي صغير على مستوى الحي والقرية أو التجمع ليس أكثر، وقد كان لهذا النوع من الصناعات أثره الفعال في بناء حضارة الإنسان على مر التاريخ ، فصناعه الغزل والنسيج مثلا ابتدأت بالحياكة اليدوية لما يحتاج إلية الإنسان من اللباس أو الفراش أو البيوت كونها كانت تصنع من الشعر أو الصوف ، وكذلك الحال في المشروعات الزراعية فكانت حراثة الأرض وفلاحتها وزراعتها مقتصرة على ما يحيط ببيت الإنسان من ارض وهكذا ، وعندما تحولت الصناعات والمشروعات إلى الحجم الكبير جنحت إلى الاحتكار والهيمنة واستعباد العمال ولذلك تاريخ طويل – لا مجال لذكره الآن – أدى إلى قيام النظم الاقتصادية المختلفة ، وقد عرف التاريخ الإسلامي المشروعات الصغيرة وحض عليها الإسلام من خلال دعوته الرجل ليحمل فأسه ويحتطب ويبيع ويكسب مالا ينفق منه على نفسه وعلى عياله وقد عرفت الحياة الإسلامية المشروعات الصغيرة سواء في مجتمع مكة المكرمة أو المدينة المنورة . أما في الوقت الحاضر فالمشروعات الصغيرة ذات مدلولات مختلفة تختلف من اقتصاد إلى آخر وهناك معايير مختلفة لتحديد معنى المشروعات الصغيرة منها حجم رأس المال ، وعدد العاملين ، وحجم المبيعات ، وشكل الملكية ، فعلى سبيل المثال معيار عدد العاملين حيث ينظر إلى المشروع الذي يستوعب عددا من العمال بدءا من عامل إلى أربعة عمال على أنه مشروع متناه في الصغر والمشروع الذي يستوعب من خمسة عمال إلى أربعة عشر عاملا على أنه مشروع صغير ، أما المشروع الذي يستوعب من خمسة عشر عاملا إلى تسعة وأربعين عاملا على أنه مشروع متوسط وما زاد على ذلك فهو مشروع كبير ولكن هذه المعايير تختلف من بلد إلى آخر فما قد يعد مشروعا صغيرا في بلد قد يعتبر مشروعا ضخما في بلد آخر فهناك بعض الدول تعتبر المشروع الصغير هو الذي يحتوي على 5000 آلاف عامل بينما بعض الدول وكما اشرنا تعتبر المشروع الصغير هو الذي يعمل به خمسة عمال أو اقل كما أن تلك المشاريع لها حضورها في مختلف بلدان واقتصادات العالم، ففي أميركا على سبيل المثال لا الحصر، تشكل المشروعات الصغيرة 97 % من عدد المشروعات فيها، حيث يوجد نحو 13 مليون مشروع يعمل فيها أكثر من نصف العاملين في أميركا تؤمن ثلثي فرص العمل للعمالة الجديدة، وفي اليابان تبلغ المشروعات الصغيرة نحو 4ر99% من عدد المشروعات فيها، وتستخدم هذه المشروعات 4ر 84 % من إجمالي العمالة.
أما من حيث كونها أداة من أدوات تحريك الاقتصاد الوطني وذلك لأنها تتوزع على اكبر عدد ممكن من الأفراد وخاصة أولئك الناس الذين يملكون الإمكانيات العملية والعلمية ولكنهم لا يجدون التمويل اللازم لإظهار براعتهم وكفاءتهم العلمية والعملية ، يضاف إلى ذلك أن الفئات التي ترغب وتستطيع القيام بهذا النوع من المشروعات هي الفئات الفقيرة أو النساء المعيلة لأسر فقدت الأب والمعيل أو هي مجموعات من الشباب الذي حصل على التأهيل الأكاديمي ولكنه ما زال ينتظر فرصة العمل المناسبة ونظرا لان التمويل الذي تحتاجه هذه المشروعات عادة ما يكون حجمه قليل فان ذلك يتيح للمؤسسات الممولة أو المانحة أن تقدمة لأكبر عدد ممكن من الطالبين إضافة إلى أن السداد سيكون سهلا وميسرا عليهم مما يجعل الفائدة تعم وتتسع بذلك شريحة الفئات المستفيدة من الأموال بدلا من أن تبقى بيد فئة من الناس دون أخرى . وعلى العموم ينظر كثير من الباحثين والخبراء الاقتصاديين إلى أن المشاريع الصغيرة تعتبر أحد الحلول الرئيسة لمعالجة مشكلتي الفقر والبطالة والتصدي لهما، خصوصاً في الدول النامية والتي من ضمنها جمهورية جيبوتي. إضافة إلى مساهمتها في توسيع قاعدة توزيع الدخول والثروات.والجدير بالذكر أن هذا المقال جاء من وحي دورة تدريبية عملتها عن "إنشاء المشروعات الصغيرة ودراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات"، والتي أقامها صندوق جيبوتي للانماء الاقتصادي FDED) )بالتعاون مع مركز التعليم المستمر في جامعة جيبوتي للشباب حاملي الشهادات الجامعية تمهيدا لفتح مشاريع لهم وذلك تنفيذاً لتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية من أجل تمكين الشباب وتحفيزهم كونهم حجر الأساس لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة .

عبد الله وعيس { مختار}ماجستير في إدارة الأعمال