لا تزال قضية مهاجمة أسطول الحرية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي تتفاعل وتلقي بظلالها الثقيلة على العلاقات التركية - الإسرائيلية الآخذة بالتدهور على نحو وصلت فيه إلى مستوى "كارثي" إلى حد قطع العلاقات نهائياً بشروط ثلاثة، في وقت أصبحت فيه مراكز البحث والدراسة المقربة من صناع القرار في المؤسسة السياسية في كلا البلدين ولاسيما على ضوء الهجوم الشديد التي تشنه الصحافة الإسرائيلية على السياسات التركية والحكومة والمسئولين الأتراك وفي مقدمتهم رئيس الوزراء رجب طيب أوردوغان في أعقاب الخطوات التي اتخذتها الحكومة التركية بعد جريمة أسطول الحرية والتي تربط إعادة العلاقات إلى سابق عهدها برفع إسرائيل الحصار عن قطاع غزة إلى جانب تأثر الميزان التجاري بين البلدين بشكل سريع لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقة بين البلدين بحيث تحولت تركيا من بلد حليف إلى حلفاء جدد أكثر عداوة لإسرائيل ويرى محللون أن وصول العلاقات بين البلدين إلى هذه المرحلة الحساسة لم يكن نتيجة عوامل طارئة حصلت على حين غرة بل جاءت نتيجة أسباب وتراكمات مختلفة ومتغيرات سياسية داخلية وإقليمية ودولية حيث أن الظروف التي نشأت فيها العلاقات القوية بين الطرفين تغيرت كثيراً إذ وصلت الآن مع حزب العدالة والتنمية إلى مرحلة إعادة النظر في الأولويات والخيارات وهي خيارات تشير بشكل واضح إلى أن العلاقة بين أنقرة وتل أبيب تقترب من نقطة حاسمة والمؤكد هنا هو أن تركيا التي أصبحت دولة إقليمية مركزية كبرى لم تعد تخشى من التداعيات التي قد تؤثر فيها جراء دخول علاقاتها مع إسرائيل في مرحلة جديدة مقابل إحساس إسرائيل بخسارة إستراتيجية لحقت بها وهي مرتبكة وعاجزة في الوقت نفسه عن استعادة هذه الخسارة والجديد في ذلك ما تنقله الصحف العالمية في تقاريرهم مفاده أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تعيش حالة صعبة نتيجة قرار تركيا عدم إشراك الجيش الإسرائيلي في عدة مناورات سيجريها الجيش التركي باللتعاون مع جيوش أجنبية في السنوات القادمة وأهمها "انطوليان إيفل" مناورة سنوية واسعة النطاق ستجري في أكتوبر القادم وكان الجيش الإسرائيلي شريكاً شبه دائم فيها حتى ما قبل سنتين وفي السنة الماضية أيضاً أعلنت تركيا عن إلغاء مشاركة إسرائيل في المناورة ولكن هذه السنة لم تتلق إسرائيل على الإطلاق مسبقاً دعوة المشاركة فيها، والمتضرر الوحيد من هذا التوتر الشديد بين الدولتين هو سلاح الجو الإسرائيلي الذي يبحث الآن عن مناطق تدريب بديلة للمجال الجوي التركي، ففي السنوات الأخيرة نشر السلاح أسرار قتالية في قواعد سلاح الجو التركي ولكن بسبب تدهور العلاقات تقرر منذ السنة الماضية عدم تنفيذ تدريبات لتركيا، وأحد البدائل التي تجري دراستها الآن هي رومانيا، وقد صدر للجيش الإسرائيلي في الآونة الأخيرة توجيه جديد من شعبة العمليات يحظر على الجنود وعلى الضباط بشكل خاص السفر إلى تركيا وذلك في أعقاب ردود الفعل القاسية في الشارع التركي على سيطرة مقاتلي الوحدة البحرية على "مرمرة" والتهديد المحدق بالمواطنين الإسرائيليين، وينضم هذا التوجيه إلى التحذير الذي نشرته قيادة مكافحة الإرهاب ودعا كل المواطنين الإسرائيليين إلى تأجيل رحلاتهم الجوية إلى تركيا إلى أن يتضح الوضع الأمني في الدولة، كما أوضح الجيش الإسرائيلي بأن هذا التوجيه سيبقى ساري المفعول حتى إشعار آخر واللافت للنظر أن الصحف الإسرائيلية قد انضمت لكثير من السياسيين الإسرائيليين الذين إنبرو يهاجمون تركيا ويتهمون سياساتها الجديدة المعادية لإسرائيل ليست نتيجة نهج وممارسات السياسات الإسرائيلية نفسها وإنما نتيجة دوافع ورغبات حزب العدالة والتنمية وزعمائه وقد خلت معظم تحليلات الصحف الإسرائيلية من أي تقييم موضوعي للعديد من الأحداث التي ساهمت في وصول العلاقة التركية - الإسرائيلية إلى ما وصلت إليه وخاصة الحرب العدوانية على غزة وحصارها والهجوم على أسطول الحرية وصرح المستشار السياسي لتنياهو في جريدة معاريف على قادة الدولة الإسرائيلية أن يسيروا على أطراف أصابعهم ويحذر جهات الأمن وأن يفهم الإسرائيليون بأن رجب طيب أصبح مثيراً للتحريض والكراهية ناجعاً وهداماً ديماغوجي خطير داهية لا يتردد في استخدام كل الوسائل ويشدد كل لحظة خطابه كما لا يتردد في أن يعترف بأن حماس حزب شقيق لحزبه ويرى في واقع الأمر أن إسماعيل هنية وخالد مشعل كنماذج للاقتداء رجب طيب خرج منذ زمن بعيد عن نطاق المشكلة الوضعية أو الآنية، هذا فإن نتائج السيطرة على أسطول الإغاثة لغزة وأن نصف المشاركين على الأقل ونصف القتلى بينهم كانوا مواطنين أتراك أدت بالعلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى درك أسفل غير مسبوق الأزمة التي ساهمت فيها أيضاً أخطاء جسيمة في الجانب الإسرائيلي هي نتيجة سياسة تركية مقصوده فمنذ زمن والأتراك يعتقدون بأن سياسة عدم الحوار بين إسرائيل وحماس وكذا أيضاً الحصار على غزة ليست فقط مغلوطتين بل وأيضاً تؤديان إلى تدهور إقليمي غياب سياسة إسرائيلية مبادرة إليها في خلاف بارز مع نزعة النشاط التركية يشدد فقط الانتقاد التركي المتعاطم على السياسة الإسرائيلية التي تعتبر في نظر الأتراك هدامة للمنطقة تعبير واضح على مدى تدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وأظن أنه حتى لو لم يطرأ قطع العلاقات مع تركيا فإن الوضع الحالي يدل على عملية العزلة الدولية المتعاطمة لإسرائيل.

عبد الرحمن حسن رياله
عضو في البرلمان