مرة بعد أخرى ما زالت إسرائيل تردد أنها مهددة وتدافع عن وجودها على الرغم من كونها دولة تمتلك ترسانة من أحدث الأسلحة العصرية والتقليدية من نووية إلى صاروخية ومن برية إلى بحرية إلى جوية وجيش يصنف بسادس أقوى الجيوش في العالم وما زالت ذريعتها بعد كل مصيبة وجريمة أنه الدفاع عن النفس ولا نعرف إن كانت أوهاماً تعشش في رؤوسهم أم حججاً واهية يسوقونها عندما يستعصى التبرير فلا يعقل أن يبقى الشعور راسخاً إلى أبد الآبدين بأنهم الضحايا وحدهم ويحق لهم إلحاق الأذى بالآخرين، والآن من بعد كل ما حدث منهم في الأيام الأخيرة يقولون أنه دفاع عن النفس ويرفض نتنياهو بكل عجرفة قبول لجنة التحقيق من جمعية حقوق الإنسان الأممية للوقوف على أسوأ موقف يواجهه الكيان الصهيوني أنه الصلق العجيب الذي دفع هذا الكيان إلى التساؤل عن التحقيق أي تحقيق هذا والكل يعرف ماذا حدث تم تحقيق وراء تحقيق وراء آخر وآخر على مدى السنين وكل مرة يكشف هذا الكيان القناع عن العجرفة والصلف والغباء وسوء التصرف وانعدام الإفادة من جميع التجارب السابقة فما هذا سوى طقس من طقوس تمارسها منذ سنين. ففي أواخر شهر مايو المنصرم وقعت حادثة بشعة على قافلة بحرية في المياه الإقليمية تحمل حاجات ضرورية إلى شعب محاصر ولأن الشيء بالشيء يذكر بأننا نعيد إلى الأذهان ونذكر الدنيا كلها لو استطعنا بالواقعة الأخرى التي تفضح الهمجية الإسرائيلية عندما انقضت على السفينة الأمريكية "ليبرتي" وكانت في المياه الدولية في ثالث الأيام الستة الملعونة من عام 1967م فأغرقتها وحاولت قتل جميع أفراد طاقمها وكانوا نحو مائتين قتلت (34) أمريكياً من طاقمها وأنقذ الباقين بأعجوبة في عرض البحر ومع بشاعة ما حدث فقد حرصت الإدارة الأمريكية المتتابعة منذ ذلك الحين على منع نشر الوثائق الخاصة بهذه الجريمة رغم مرور أكثر من أربعين عاماً. وللمصادفة العجيبة أن أحد ضباط طاقم سفينة لبيرتي ممن نجو بأعجوبة كان متواجداً على ظهر سفينة الحرية وعايش انقضاض الكوماندوز الإسرائيليين على ظهر السفينة مرة أخرى وفي المياه الدولية بل في ذات البقعة تقريباً التي انقضوا فيها في المرة السابقة، أنه ضابط البحرية الأمريكية السابق (جويدورز) أحد الذين قدر لهم أن ينجو بحياتهم من غدر إسرائيلي وظل مثلهم جميعا يرون في إسرائيل عدواً شخصياً لكل منهم حتى اليوم.
وكان ذلك الحادث قد وقع بعد مرور ثلاثة أيام على شن إسرائيل الهجوم الكاسح على المطارات المصرية في (5) يونيو عام 1967، حيث شنت أيضاً هجوماً مباشراً على السفينة الأمريكية ليبرتي المخصصة لجمع المعلومات عما يجري عن بعد في سيناء بين القوات الإسرائيلية والمصرية، ليبرتي كانت في المياه الدولية يومها والجو صحو والعلم الأمريكي يرفرف فوقها وجميع الشواهد والدلائل والظروف المحيطة تؤكد بنحو قاطع أن الهجوم الإسرائيلي كان يستهدف تدمير السفينة وإغراقها كان الهدف بما عليها من معلومات وقتل جميع أفراد طاقمها وكانوا نحو مائتين. وما أن هبط الكوماندوز الإسرائيلي على سطح الباخرة للإجهاز على طاقم السفينة إلا أن أحد ضابط البحرية تتسلل إلى آلة الاستغاثة الدولية فالتقطتها قطع الأسطول السادس الأمريكي في عرض البحر، فأدرك الإسرائيليون الاستغاثة كذلك فعدلوا عن مطاردة طاقم السفينة، وفي تلك الأثناء قتل (34) أمريكياً من أفراد الطاقم وجرح (170)، بينما حققوا مهمة إغراق السفينة بما عليها من معلومات وواضح إنها كانت الهدف من العملية، فبعد إتمام التحقيقات في واشنطن صدرت تعليمات صارمة إلى طاقم السفينة بألا يخبروا أحداً ولا يدلوا بأحاديث عما يعرفون ولا حتى لزوجاتهم وإلا فسوف يتعرضون إلى توقيع العقوبات العسكرية الصارمة وثائق إغراق هذه السفينة ربما تكون الوحيدة في سجل الوثائق الأمريكية التي لهم يفرج عنها حتى اليوم، وذلك لألا يكشف الوجه الحقيقي للسياسة الإسرائيلية التي هي على استعداد لأن تطيح بأي شيء ولو بأقرب حلفائها إذا ما اقتضت مصالحها ذلك.
ولا تمر ذكرى إغراق السفينة ليبرتي كل عام في هذا التوقيت من كل عام إلا ويحييها جميع من تبقوا من طاقمها وليذكروا بقدر إمكانهم بمدى انحطاط سياسة إسرائيل والغدر الذي تكشفه تلك الغارة المباغتة على سفينة أقرب حلفائهم وقتل من عليها بينما هي في المياه الدولية وترفع العلم الأمريكي ويكاد التاريخ يعيد نفسه هذه الآونة إذاً: فهل يعقل أن يظل الاعتقاد بأنهم مهددون قابعاً في أعماقهم كشعب إلى حد أن يقوموا بشن عملية عسكرية غاشمة ضد ست سفن تحمل مساعدات إنسانية لمدنيين على ظهرها، فتخرج عليهم في المياه الدولية تهاجمهم وتهبط عليهم تقتل من تقتل وتجرح من تجرح ثم يدعون أنهم في حالة دفاع عن النفس.

عبد الرحمن حسن رياله.
عضو في البرلمان