بين المباحثات والمفاوضات غير المباشرة أو المباشرة لم يتوان الكثير من الزعامات الصهيونية عن إعادة التأكيد على أن القدس ستبقى موحدة تحت السيادة الإسرائيلية وأنها خارج تجميد الاستيطان أي أنها خارج إطار التفاوض المباشر كان أم غير مباشر لذلك فإن إجراءات هدم منازل الفلسطينيين بهدف تهويد الأحياء في شرق المدينة سوف تستمر وبحسب نتنياهو فإنه لا يمكن تحقيق الإزدهار في مدينة مقسمة ولا يمكن تقسيم أو تجميد مدينة مزدهرة وكل هذا استناداً إلى مزاعم توراثية يعاد الآن في كل حين تكرارها في استعادة لمزاعم "الدولة اليهودية" وعاصمتها الأبديه، هذا في الوقت الذي كان فيه وزير الدفاع أيهود باراك وأمام لجنة الخارجية والأمن يدعو إلى تقصير أمد المفاوضات غير المباشرة وهو كغيره من وزراء الائتلاف يدعو إلى الانتقال السريع إلى المفاوضات المباشرة نظراً إلى أن معظم القضايا من المفاوضات باتت معروفة كما دعا باراك حكومته إلى التقدم بمبادرة سياسية بعيدة المدى، تحدث تقدماً في المسيرة السياسية، فلكونه يدرك أن التشدد اليميني المتطرف إزاء التسوية السياسية وقضاياها يعيق تقدمها بالأساس لذا فهو يقترح "رسم حدود لإسرائيل" وفق اعتبارات أمنية وديمغرافية تكون في أحد جانبيها لمصلحة أغلبية يهودية صلبة على مدى أجيال ومن الجانب الثاني دولة فلسطينية تتمتع بحياة سياسية وحزبية، وضمن هذا "التقسيم "المشروط باستحداث تسوية سياسية بقاء الكتل الاستيطانية كجزء من دولة إسرائيل اليهودية وحل مشكلة اللاجئين في إطار الدولة الفلسطينية على أن يكون توقيع التسوية إيذاناً بنهاية الصراع ونهاية المطالب كما بات يرى العدد من زعامات الأحزاب الإسرائيلية بمن فيهم رئيس الكيان شمعون بيريز على أن يترك موضوع القدس لإمكانية التوصل لاتفاق بشأنها في التسوية إن مفهوم "التسوية النهائية" الإسرائيلي يتعدى استجابة الفلسطيني للمطالب الإسرائيلية باتجاه أن يعلن الفلسطينيون نهاية الصراع ونهاية مطالبهم من إسرائيل وهذا بحد ذاته نوع من استسلام غير مشروع لأمر واقع احتلالي بغض النظر عن مسألة إقامة دولة واحدة أو دولتين غير متكافئتين أو متعادلتين في القوة وفي السيادة داخل النطاق التاريخي للأرض الفلسطينية وحتى في ظل الموافقة الإسرائيلية على تقسيم أرض إسرائيل الكاملة، فإن دولة واحدة هي إسرائيل التي ستتولى أمر السيطرة الأمنية والهيمنة السيادية على الأرض كل الأرض وما الكيان الآخر (الفلطية) في واقع الأمر سوى ديكور دولة تحت الاحتلال للكيان دولة من أولى شروط إعلانها أو قيامها على الأرض إنجاز وإعلان تحررها الوطني بأنهاء "الاحتلال وتعيين حدود سيادية لها، حدود متواصلة مع جيرانها من الدول الأخرى لا مع محيطها الاحتلالي، ولا يد من طرح تساؤل يشترط في الإجابة عنه أن تكون واضحة قاطعة، ماذا يريد الفلسطينيون من الدولة إذا ما استمر الاحتلال بالتحكم في مداخل ومخارج النطاق السيادي لهذه الدولة وحتى أنه يشترط التحكم بأعداد العائدين إليها من الخارج حين يصرح أنه سيسمح لعدد محدود جداً من اللاجئين بالعودة إلى مناطق يعتبرها اللاجئون من المقيمين فيها مناطق لجوء وليست وطناً نهائياً لهم حالهم حال اللاجئين في مناطق الشتات الخارجي، وهل دولة كهذه بإمكانها إرضاء نوازع التحرر الوطني وتحقيق بأحد المآلات الأساسية الوطنية الفلسطينية كوحدة متكاملة يعاد تجسيدها فوق تراب الوطن الفلسطيني.
في المقابل ماذا يريد الإسرائيليون من الدولة التي يمكنهم الموافقة عليها وسط ما يعتبرونها "أرض إسرائيل الكاملة دون تواصل جغرافي مع الأردن من جهة الضفة الغربية وفي الغد دون تواصل جغرافي مع مصر كذلك في حال جرى تبادل أراضي وأمكن التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن التسوية النهائية لحل إقليمي تشارك فيه كل من مصر والأردن بحسب مشروع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً.
هذه الأسئلة وغيرها ربما قد تكون في فحوى المفاوضات المباشرة التي أكد فيها الرئيس الأميركي تتكون حجر الرمي فيها لذلك يجري الآن حثيثاً أمرها، وواضح أنه لم يعد تحقيق شعار الدولتين بل في الواقع العملي هناك دولة واحدة على الأرض التاريخية الفلسطينية هي الدولة الإسرائيلية التي جسد قيامها قرار التقسيم ووعد بلفور جري إعلانها في العام 1948م.
وعلى هذا الأساس أصبحنا أمام حقيقة ووجوب وضرورة تجسيد الدولة الأخرى "الفلسطينية" إذا ما أردنا البدء من لحظة التقسيم أما الحديث عن "حل الدولتين" الذي ما برح يترافق مع جهود التسوية السياسية منذ إقرارها فلسطينياً في أعقاب حرب أكتوبر عام 1973 عبر البرنامج المرحلي الذي أقرته مؤسسات منظمة التحرير في العام 1974 فهو حديث آخر عن "دولة الضفة والقطاع" وحتى هذه الدولة لم تعد تلبي طموح التسوية النهائية في ظل استمرار الاحتلال وتواصل الاستيطان ومحاولة الإسرائيليين الهروب من استحقاقات "الدولة المتواصلة جغرافياً" يقطع تواصلها مع الأردن أو الالتفاف عليها من ناحية مصر، وهذا تحديداً ما سوف يبقيها مجرد جزيرة معزولة على كل ما يحيط بها سوى المحيط الإسرائيلي بتبعيتها له سياسياً واقتصادياً وتجارياً وسيادياً.
إن رهان التسوية الراهن عبر أشكال المفاوضات المباشرة وحتى تلك التي تجري بالوساطة مع حركة "حماس" أو مع غيرها من المفاوضين الرسميين وغير الرسميين عبر الدول الكبرى وخاصة دول الرباعية الدولية هذا الرهان الخاسر بالتأكيد وفي مطلق الأحوال لا يعتمد مساراً منطقياً وطبيعياً لتسوية تنهي الاحتلال أولاً، لما يفترض أنها أرض الدولة الموعودة أما أن يجري اعتماد مسار معاكس كمن يضع العربة أمام الحصان ليبحث أولاً في "تأسس الدولة" ولو في عشرات الكانتونات المنفصلة والتي لا ينظمها سوى عقد الاحتلال واستمراره واستمرار عصاه الغليظة فوق رؤوس الفلسطينيين.
إن دولة تمنح طابعاً فلسطينياً وتتمنى كذلك ولا يجري في إطارها حل قضية اللاجئين أي قضية عودتهم إلى أرض وطنهم وإلى ممتلكاتهم التي هجرتهم منها العصابات الصهيونية واعتبرت وفق قوانين الاحتلال "أملاك غائبين" ولا يجري في إطارها حل قضايا المواطنة لكل مواطني البلاد لن تكون دولة فلسطينية لشعبها؟.


عب الرحمن حسن رياله
عضو في البرلمان