قد نزل بساحتنا الإسلامية شهر كريم و موسم عظيم ، خصّه الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم ،وأنزل فيه القرآن العظيم ،وفرض صيامه ،وسنّ لنا قيامه نبينا الكريم، شهر البركات والخيرات وإجابة الدعوات وإقالة العثرات ومضاعفة الحسنات، شهر إفاضة النفحات "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ".
شهر قال فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم- " إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب .وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ،وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل . ويا باغي الشر أقصر . ولله عتقاء من النار . وذلك كل ليلة ". رواه الترمذي
ويطل علينا هذا الشهر المبارك كل عام ، ونحن نتطلع إلى إستقرار الأوضاع في بلداننا الإسلامية ونتمنى أن تنعم أمتنا بالأمن والسلام والأمان وخاصة في البلدان التي يعاني أهلها من قسوة العيش وعدم الإستقرار، وحمامات الدم المستمرة. ولكن للأسف فالحال إن لم يسر للخلف، فهو في حال "مكانك سر". فأعانهم الله على ضيق حالهم وفك كربهم، وليس لنا في هذه المناسبة إلا أن ندعو لله بأن يشملهم برعايته، وبحث القلوب المفعمة بالعطف والرحمة والخير ببذل كل ما بالإستطاعة للمساعدة، لإضفاء بسمة على وجه طفل أو لسد رمق جوع، أو مساعدة في شفاء مريض. كما ونتساءل في هذه الأثناء كيف سيمضي شهر رمضان، وكيف سيكون إستقباله خاصة عند أهالي الصومال الشقيقة، في هذا الحال البائس، حيث الفقر الشديد، والأمراض المتفشية وإنعدام مرافق الحياة الضرورية من كهرباء وماء ودواء، بل وإنعدام المسكن لدى آلاف الصوماليين شردتهم المدافع لينتهي بهم المطاف إلى ملاجيء تنعدم فيها أبسط إحتياجات إلإنسان .
هذا أحد الجوانب الصعبة الذي يمر فيها جزء من جسد أمتنا الإسلامية في هذا الشهر الفضيل، وبالطبع الحال مشابه في بعض بلداننا الإسلامية والعربية الأخرى، ولكن قد يكون الحال أقل وطأة، فكان الله في عون الجميع.
كما هو معلوم، لكل بلد طرقه وأساليبه الخاصة في إستقبال شهر رمضان، وإن كانت في النهاية تتشابه في الكثير من مظاهرها. ففي ولاية مينيسوتا، تتواجد الجالية الإسلامية بنسبة عالية مقارنة ببقية الولايات الأمريكية الأخرى، ويحتفل المسلمون منهم بقدوم رمضان عندما يثبت رؤية هلاله الذي يعلن عنه من خلال المراكز الإسلامية المتواجدة في المدينة. ويتم معرفة وقت غروب الشمس وموعد الإفطار للأسر المسلمه من خلال جدول زمني يتم توزيعه من قبل المركز الإسلامي. وبالطبع فإنه لا يوجد أي مظهر يدل على حلول شهر رمضان المبارك في مينيسوتا بشكل عام، إلا أن ذلك يظهر بوضوح في بعض المحلات الإسلامية التي تكثر من أضواء الزينة وتنصب أضواء الهلال إشعارا بقدوم هذا الشهر الفضيل، كذلك يمكن التعرف على قدوم هذا الشهر المبارك من خلال البضائع المميزة المعروضة في المحلات الإسلامية وفي بعض المحلات الأمريكية، والتي تكثر في هذا الشهر بالتحديد، كالتمر، والمكسرات المستعملة في عمل الحلويات، وغيرها. وبالطبع فإن هذا الشهر الفضيل يعد فرصة طيبة لمحال الحلويات التي تتفنن بإعداد القطايف، والكعك والمعمول، التي يكثر الإقبال على شرائها في هذا الوقت. ومما لا شك فيه أن مسؤولية تهيئة الجو الرمضاني في البيوت تلقى على عاتق السيدات، فتعمل بعضهن على تزيين البيت من الداخل ومن الخارج بأضواء الزينة التي تتوفر في كثير من المحلات الإسلامية. كما تتفنن السيدات في عمل الحلويات المختلفة وتتنافس لإظهار مهارتهن، أيهن تتقن العمل بشكل أفضل،
وتبذل بعض العائلات جهدها الكبير للتواجد حول مائدة رمضان التي تكون فرصة طيبة لتجمع أفراد العائلة التي قلما تسمح ظروف العمل والمشاغل بتجمعها،.
بعد الإفطار يتوجه البعض لاداء صلاة التراويح في المساجد المتوفرة في مينيسوتا. كما أن البعض يتناول الإفطار في المسجد، حيث يكثر أصحاب الخير الذين يتبرعون ماديا وعمليا بإعداد طعام الإفطار في المسجد. وأحيانا كثيرة يذهب أفراد الأسرة بكاملهم للصلاة في المسجد وتناول الإفطار هناك لإحاطة النشئ الصغير بأجواء إسلامية ورمضانية جميلة، حيث حلقات الذكر وتلاوة القرأن الكريم.
ومن هنا، يتضح بأن مظاهر رمضان والإحتفاء به تجد سبيلها في مينيسوتا، على العكس من السنين الماضية، حيث كانت الجالية الإسلامية قليلة العدد، ولم تكن تتوفر المحلات التجارية الإسلامية التي تمتلئ بالبضائع والمستلزمات الإسلامية كما هو الحال الآن. لدرجة أن البعض لم يكن يعلم بقدوم شهر رمضان إلا من خلال تواصله مع الأهل في البلدان الإسلامية .
أخيرا، نتمنى أن يعم السلام والأمن والأمان بلداننا الإسلامية إن شاء الله، وكل عام وأنتم بألف خير أينما كنتم.
فيصل مختار Minnesota, USA