لاشك أن الوقت منحة ربانية غالية وثروة لا تدانيها ثروة وقد تفنن واصفوه في عد أوصافه وشرح مزاياه، تارة يقولون بأنه كالسيف البتار في السرعة وتارة أخرى يشبهونه بالذهب في قيمته وغلائه وأصدقهم قولاً وأدقهم تعبيراً في وصفه من قال بأنه هو الحياة لأنه ميدان الحياة ومدارها ومجال استثمارها واغتنامها وسر تقدم وتطور من استغله وتأخر من ضيعه وأهله. ومما يميز الوقت أيضاً أنه لا يعوض وما فات منه لا يعود الأمر الذي يحتم علينا استغلاله على أحسن وجه قبل أن نذرف دموع الحسرة من فواته.
وهناك سرقة كثيرين لهذا الوقت الغالي وقد يجتمع كل أو أغلب هؤلاء السرقة فيما نسميه بالروتين وهو فعل نفس الأشياء بنفس الكيفية والرتابة بشكل متكرر والحقيقة أنه قلما تجد من تخلو حياته من هذا الروتين ولكن ليس كله بنفس الدرجة في هدر الوقت فهناك روتين مرتبط بالعمل وآخر هدام ناتج عن الفراغ والمشكلة تكمن في ضياع معظم الوقت في أشياء لا طائل من ورائها نتعود عليها وتتكرر يومياً وتضيع معها حياتنا وأعمارنا عبثاً.ما أكثر ما يضيع من الأوقات في العكوف على أوراق القات وهي عادة قل من نجا منها من مجتمعنا وهي صورة جلية من صور الروتين الهدام ومن صوره أيضاً موائد الحديث والثرثرة ومجالس الشيشة وأماكن القيل والقال ومقاهي الشاي والقائمة تطول.وما أكثر ما نتحين الفرص ونبحث عن وسائل لقتل الوقت نمارسها ثم تتحول إلى عادة وتكون جزءً من حياتنا اليومية ونحسب أنا نحسن صنعاً وما درينا أننا حين نقتل أوقاتنا إنما نغتال حياتنا فهل حياتنا سوى أيام وشهور وسنوات كما قال الحسن البصري رحمه الله: (يا ابن آدم إنما أنت أيام معدودة إذا ذهب يوم ذهب بعضك) وكما قال الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
على العموم السبب الرئيسي وراء هذه الظواهر السلبية يكمن في الفراغ القاتل وعدم تقديرنا لقيمة الوقت والدليل على ذلك هو أن مجتمعات العالم الثالث التي ينتشر فيها الفراغ وتسودها البطالة هي أكثر من يعاني من هذه المشاكل والحل هو ملأ هذا الفراغ بالنافع المفيد كالمطالعة والرياضة وتعلم اللغات وغيره كما ينبغي أن نجعل حياتنا مرتبة وأوقاتنا منظمة، وأن نعود أنفسنا على التجديد وتطوير الذات وتغيير نمط الحياة نحو الأفضل وتنويع أساليب أدائنا للأعمال ونحاول جعلها أكثر إثارة ومتعة، فلا نبخل على أنفسنا بالتجربة فهي بحد ذاتها تغيير.

بقلم/ برخد عبدي جيدي