بعد مرور عام ونيف على الخطاب الذي وجهه الرئيس الأمريكي باراك اوباما من القاهرة للعالم الإسلامي برز إلى السطح في منطقة الشرق الأوسط شعور يتراوح بين الإحباط وفقدان الثقة بشخصية اوباما بعد أن كان الجميع يرونه رجلا مخلصاً . وقد تأتي من هذا الخطاب مجموعة من العوامل والتفسيرات وأولى هذه التفسيرات ما يطرحه البعض من أن أوباما وإن كان على المستوى الشخصي يملك الكاريزما في التحدث إلى الناس واجتذابهم إليه إلا أنه ليس رجل دولة قادر على الحسم واتخاذ القرارات الصعبة ، فضلاً عن قلة خبرته السياسية.
أما ثاني تلك التفسيرات فتقول إن أوباما كان صادقاً فيما قدمه من وعود للعالم الإسلامي خلال خطابه إلا أنه اصطدم سريعاً بتعقيدات الواقع الأمريكي من استمرار نفوذ اللوبي اليهودي بأمريكا وبعض الجماعات الموالية له فضلاً عن انشغال أوباما بالقضايا الداخلية كتمرير قانون التأمين الصحي الذي نجح فيه أخيراَ ومشكلتي الإصلاح المالي والهجرة .
وثالث هذه التفسيرات هو موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التي يتم التحضير لها حالياَ بإقامة مؤتمرات وحشد ناخبين لها، والتي ستجري في نوفمبر من العام الجاري وبالتالي فإن على أوباما أن يطلب ود كل القوى المختلفة ببلاده ليضمن استمرار سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس .
ورابع التفسيرات الوضع الدولي وتوازنات القوى وكيف أن أولويات الرؤساء الأمريكان تتركز على الحفاظ على موقع الولايات المتحدة في قيادة العالم ولذا فهو يهتم بالعلاقات مع العملاق الصيني والقوى الصاعدة كالهند والبرازيل والاتحاد الأوروبي ككتلة موحدة حتى يضمن أن لا ينال استمرار صعود هؤلاء المزاحمين من الرصيد الأمريكي وبالتالي فإن اهتمام أوباما بالصراع العربي الإسرائيلي وباقي قضايا المنطقة يكون على نار هادئة ومحدودا ، لأن العرب منقسمون ولم يساعدوا في العمل والتحرك لحل مشكلة الانقسام الفلسطيني بحيث أعطيت إسرائيل فرصة التحجج بأنه لا يوجد شريك تفاوضه جدياً في ظل هذا الانقسام فضلا عن الانقسام العربي بين معتدل ورافض. وملفت للنظر أن أوباما لم يحدث تغييرا جذريا في سياساته الخارجية ولا تزال سياسات إدارة جورج بوش مستمرة فالموقف في إيران لا يزال كما هو والقوات الأمريكية لا تزال موجودة في أفغانستان وأيضاً التدخل في باكستان وأن أوباما لم يف بوعده الخاص بإغلاق معتقل جوانتانامو ومحاكمة من فيه أمام محاكم مدنية لا عسكرية ، ولا يمكن أن تتحسن صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي بعقد مبادرة هنا وهناك أو بالتحسن في المستوى اللفظي للعلاقة فقط وأن التسميم في العلاقة بين الطرفين يستمر طالما بقيت القضايا الجيواستراتيجة قائمة بدون حل وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وعلى الشعوب العربية أن تدرك أن أوباما رئيس أمريكي منتخب من الأمريكان وجل أولوياته هو الحفاظ على أمنهم القومي ومصالحهم، وبالتالي فلن يقوم بحل مشاكل العالم العربي إلا إذا توافق حلها مع المصالح الأمريكية . ويمكن لنا أن نرد ما يتردد عن أن أوباما تراجع عن دعم الديمقراطية في العالم العربي أن إدارته قد تخلت عن سياسة سلفه بوش والتي كانت تستخدم الديمقراطية والمطالبة بضرورة تحقيقها في الوطن العربي كوسيلة لابتزاز الأنظمة السياسية فيه وذلك انطلاقا من النهج الجديد الذي أعلنه أوباما بالقاهرة والذي تنفذه إدارته حالياَ والمتمثل في الانفتاح مع كل القوى داخل بلدان المنطقة بل والاستعداد لقبول التركيبة الإقليمية وحماية حقوق الأقليات.
وقد نتساءل كيف يمكن لأوباما أن يدفع ثمناَ غالياَ من مستقبله السياسي بمواجهة المحافظين الجدد وجماعات الضغط واللوبي اليهودي لمناصرة القضايا العربية، والعرب بالأساس بدليل عدم مسارعتهم إلى التفاعل مع ما قدمه أوباما من أفكار ورؤى خلال خطابه وذلك عبر تقديمهم حلولا تفصيلية أو مطالب محددة لمشاكلهم ومطالبته بالبدء في التنفيذ خاصة وأنه كان في أوج شعبته حينذاك، كما يجب على العرب التخلي عن النظريات القديمة في التعامل مع أمريكا سواء العزلة التامة المستمدة من أفكار سياسة أو دينية أو الاستسلام التام إيماناً بنموذجها أو اتقاء لشرها، وفي هذا المجال يجب أن نطرح فكرة التفاعل النقدي التي استطاع الأتراك والبرازيليون تحقيقها لأن التفاعل النقدي يقوم على فكرة أن الجميع جزء من المنظومة العالمية وأن ما يتم اتخاذه من سياسات في أي بلد يؤثر في السياسة الأمريكية على أن تحقيق تلك القدرة على التفاعل النقدي يستلزم جهداً لا شعارات.

عبد الرحمن حسن رياله
عضو في البرلمان