لا شك أن كثيرا من الناس يتساءلون فيما بينهم عن الأسباب الحقيقية التي تجعل عددا هائلا من شباب القارة السمراء أغلبهم من الفئة المثقفة يبذلون كل ما هو غال ورخيص ويسلكون السبل الوعرة ويخاطرون بحياتهم، فيرمون أنفسهم في عرض البحر أحيانا من أجل الوصول إلى بلد من البلدان الغربية المتقدمة .
إن مما يكمد القلب ويندى له الجبين، ويجعل العين تذرف دموعا غزيرة ما تطالعنا به الوسائل الإعلامية باختلاف أنواعها من إذاعة أو تلفاز أو صحف بصورة تكاد تكون شبه يومية من أوضاع مأساوية وحالات مزرية لمهاجرين معظمهم أفارقة انقطعت بهم السبل وحيل بينهم وبين مقاصدهم بطريقة أو بأخرى، أو الذين ابتلعتهم البحار فصاروا في أعماقها أو هلكوا في الفلاة الشاسعة.أو الصحراء القاحلة في طريقهم إلى هناك وما أدراك ما هناك؟
لا خلاف في أن من بين الأسباب التي جعلت العقول الإفريقية تفكر صباح مساء في مغادرة مسقط رأسهم، البحث عن حياة كريمة تتوفر فيها كافة وسائل العيش الهنيء الذي بات من المعجزات في بعض الدول النامية التي يحب البعض أن يسميها بالدول النائمة.
فكثير من هذه الدول تعاني من اضطرابات داخلية وفوضى لا حدود لها، وبعضها مزقتها حروب طاحنة طال أمدها ولا طائل من ورائها، لا تبقي ولا تذر، فلا تنمية فهل للبيب أن يفكر في البقاء ولو لليلة واحدة في منطقة تشبه غابة لا يعلو فيها إلا صوت القوي، إذا صح التعبير.
وإذا كانت تلك الدول معذورة فيما هي عليه فهناك أخرى وإن سلمت من ويلات الحروب أهلية كانت أو غيرها لكنها لم تسلم من الفقر المدقع الذي يعجز اللسان عن وصفه مهما كان فصيحا، ناهيك عن غياب الخدمات الاجتماعية الأساسية التي لا تستقيم الحياة بدونها،
إذ بات الحصول على هذه الخدمات من سابع المستحيلات فلا ماء ولا كهرباء ولا خدمات صحية حقيقية.
ولا ننسى في الوقت نفسه مشكلة البطالة التي تنتشر في معظم البلدان النامية بشكل كبير نتيجة غياب المشاريع التنموية التي تمكن حاملي المؤهلات العلمية من إيجاد فرص عمل تساعدهم على تكوين حياتهم بعد التخرج،والمساهمة في تنمية البلاد كل من موقعه وحسب تخصصه.
هذا وغيره من الأسباب كثير مما لا يتسع المجال للحديث عنه جعلت الأمور تزداد تعقيدا في هذه الدول.
وقد صار لزاما على من لم تسعفه الأيام من أهل هذه البلدان أن يشدوا رحالهم إلى أرض الله الواسعة وكأنهم امتثلوا لقول الإمام الشافعي رحمه الله :
ما في المقام لذي أدب وذي عقل من راحة فدع الأوطان واغترب.
تجد عوضا عمن تفارقه وانصب فان لذيذ العيش في النصب.
وقد لاحظت من خلال متابعتي لهذه المسالة أنها حدث يتجدد مرة تلو الأخرى ويتخذ أشكالا مختلفة لكن الهدف يبقى واحدا،
ولكن هل كل من يفارق الأصحاب، ويودع الأهل والأقارب ويدع الأوطان يصل إلى مبتغاه وينال مراده وينسى تلك الآلام التي أقضت مضاجعه طويلا ؟ هل الهدف من الهجرة فقط هو طلب المعيشة الهنية والحياة الكريمة؟ وهل الجميع محق في الهجرة إلى أوروبا أو أميركا؟
إلى اللقاء في العدد القادم
بقلم /
محمد عبد الله عمر (جابر)