كثير من الناس يُسائلون أنفسهم وغيرهم هذا السؤال ، وكثيرون يعجزون عن الإجابة عنه ،لأنها تختلف باختلاف تحديدهم لمفهوم الصفاء والسعادة والراحة .قال قوم : إن السعادة في الصحة والعافية ، وقال آخرون : إنها الإيمان ، وقال غيرهم إنها في الطمأنينة والأمن والأمان ، وهناك من يراها في الغنى والمال ، واصحاب هذا الفهم نراهم يُذهِبون لحظات السعادة الحقة في طلب الدنيا يلهثون بحثاًَ وراء - وهْم - ما يسمونه بالسعادة .خلاف كبير ، قد تمضي أعمار وأجيال ، والناس لم يلتقوا ويتفقوا على تحديد ٍِ لمفهومه ، وقديما قال أحد الشعراء:تصفو الحياة لجاهلٍ أو غافلٍ عمّا مضى منها وما يُتوقّع ولكن هل صحيحٌ أن صفاء الحياة مقصورعلى الجهلة والغافلين ؟ نحسب أن قائله ومن يسير على نهجه واقعٌ تحت تأثيرخيبة الأمل .وإذا كنا لم نصل بعد إلى تحديد ٍ لمفهوم السعادة فلنتساءل عن تأثير الواقع لفقدانها ,وكيف نًُعبّرعن شعورنا ولهفتنا عليها ؟
قال أحد الشعراء- قديما- إن الشكوى هي التعبير الصادق عن عدم الرضا بالواقع والقناعة به ،لكثرة ما شاهد من شكوى الناس وتذمرهم من واقعهم : كُلّ من لاقيت يشكو دهره // ليت شعري هذه الدنيا لمن؟
وهذا ربما هو الآخر , أحد ضحايا التشاؤم وخيبة الأمل ،لأن لوازم الحياة لا تنتهي مطالبها عند حدٍّ .إن الدهرلايسلم أحد من كوارثه مهماعلا قدره ومقامه وغزرت ثروته فكم من بيت عريق في الحسب ، بعيد المدى في الغنى ،دُكّ من أساسه لتغاضي أربابه عن تعلم الحرف، وكم من بيت كان الفقر مخيّما عليه، قد أحرز أهله بفضل الله ثم بفضل المهن التي زاولوها ثروة لا تُعد ولا تُحدّ ، وجاهاً بعيد المتناول ، ومقاما باذخاً لا يطاول . ومهما بلغ المرء من بسطة اليد والخفض والسّعة، فلا مندوحة له عن أن يُحبّب إلى بنيه العمل والسعي وراء الرزق وتعليمهم المهن ، حتى إذا قلب لهم الدهر ظهر المِجن لم يعدموا وسيلة يتسببون بها إلى الارتزاق خوفا من أن يصبحوا عالة وحملاً ثقيلا ينظر إليهم الشامتون بعين الإزدراء ، أو كما قيل : لأن يدفن المرء في ظلمات الرموس خيرله من أن يحتاج إلى غيره . ويكبر الأبناء وتكبر معهم الأحلام الحائرة وتجري على ألسنتهم الأسئلة وتظهر في أعينهم وتنهداتهم وتمتماتهم أمام والديهم ، متى تصفو الحياة ؟ وهم يسترقون السمع في نظرات إشفاق وحسرة ورثاء..و تغيب الابتسامات وتتلاشى الأماني والأحلام وتكتئب الوجوه دون أن تجد الجواب ..ولكنها تطاردهم في يقظتهم ونومهم في صباحهم ومسائهم متى تصفو الحياة ؟ إن كتاب الله ، وسنة نبينا ، عليه أفضل الصلاة والسلام ،يحكيان لنا النهج الذي ينهجه البشرفي قوله تعالى :"لقد خلقنا الإنسان في كبد " وقوله :" كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى ".
وقول نبينا عليه السلام : "لو أُعطي ابن آدم واديين من ذهب ، لتمنى لهما ثالثا ، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ".
فالمتاعب واقعة ، لأنها تولد مع الإنسان وتلازمه ، تُهادنه حيناً ، لكنها لاتفارقه ، ولربما اعتبرها بعض المكافحين إحدى وسائل اللذة ،يكافح بها وتشحذ همته وعزيمته ومواهبه كلما اجتاز عقبة فيصبح الجهاد والكفاح من مقوماته ومتطلباته ، وينتهي به المطاف إلى درجة الإقدام والتضحية ، كما يقول الشاعر :
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأيسر ما يمرّ به الوحول ولكننا نرى أن السعادة الحقّة ،في الإيمان المطلق بالله ، والتسليم بعظيم قدرته ، وشمول إحاطته وعلمه ،وأن ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأن الأمة لو اجتمعت على نفعٍ ،أو ضُرٍ ،لم تقدر على بذل الأول (النفع) ،أو دفع الثاني ( الضر )، إلّا بأمرالله وتقديره .
" قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير" .
فيصل مختار