عندما أرى طفلا يلهو ويلعب ، ويستميت بلعبته ناسياً من حوله من الناس ، تتملكني الدهشة ، فأظل أحملق فيه ، وأنظر إلى عالمه الصغير بكل استغراب .
فالأطفال لهم قدرة عجيبة في استخدام كل شيء لألعابهم الخاصة ، فكل ما يحيط بهم صالح – حسب قانون البراءة فيهم – للعب .
حتى عندما تغضب عليهم ، وتقطب وجهك إزاءهم ، فإنهم يفضون عنك هذا التقطيب بابتسامة نظيفة غير شائبة ، تلوح من سنحتهم بالفطرة التي لا تعرف المجاملات والمداراة ، لأن هذه الفطرة التي قد جبلوا عليها لا تعرف أصلاً ما تعينه – أنت – من هذا التقطيب فتداريك ..
عجباً لهؤلاء الأطفال !! ، فالحياة بتعقيداتها وتعدد أحوالها ، لا يفهمون عنها غير معنى واحد ، وهو أن هذه الحياة إنما هي صورة من روضة ، فكل زهرة فيها لا بد وأن تبتسم .
وهكذا ، فإن الطفل يفرض على كل فرد من أسرته أن يبتسم مهما كان هذا الفرد معقداً عكر المزاج ، أو صاحب نظرة فلسفية كئيبة للحياة . فضحكة الطفل هي التي تسيطر على أجواء البيت ، وأنغام صوته البهيجة ، ونبرات كلامه المتقطعة والغير مفهومة أحياناً وقد يكون السبب في كل ذلك أن الحياة ليست بذلك التعقيد الذي نتصوره ، وأنها – حسب منهج الأطفال – لتحتاج إلى أقل من كلمة لنفهمها أحياناً ..
أو قد يكون السبب أيضاً ، أن فلسفة هذا الإنسان المركب لتحتاج هي الأخرى إلى فلسفة من هذا الطفل البسيط.
وأنا، لطالما قارنت بين صورتين لطفلين ، أحدهما من أسرة فقيرة يلعب بما حوله من ما تعتبره أسرته شيئاً مهملاً لأنها قد استعملته حتى بلي وخرج على الاستعمال ، وهو مع ذلك يستعمله في ألعابه فإذا به يصنع من ذلك " الكرتون" سيارة ، عجلتها غطاء " القنينة " من ماء الكرستال .
فلو كان هذا الطفل من كبار اليوم لعددنا عمله هذا من " الإبداع " أما وقد عملها وهو طفل فقد نقول عنها " لعب عيال " .
والصورة الثانية ، هي لذلك الطفل الذي ينتمي إلى أسرة غنية يلعب ويتفنن باللعب الكثيرة ، لأن له لعبة على حدة لكل فن ولا يضيره أن يتلف في كل يوم لعبة .. فهكذا ، ستشتري له لعبة أخرى جديدة .
ولو كان هذا الطفل من كبار اليوم لاعتبرنا عمله هذا من قبيل الإسراف في الاستهلاك ، أما وقد فعلها وهو طفل فقد نقول عنها " عبث الأطفال".
وعلى ما في الصورتين من البدائية والتبسيط فإنها تعلمك بمعانيها التفسير القريب لعمل الكبار .
حتى لأكاد أجزم في نفسي ، أنه كلما استوضحت صورة من حياة طفل ، اقتربت أكثر من تفسير حياة ذلك الكبير من الناس .
بقلم /
إلياس محمود محمد