يوما بعد يوم تثبت الأمة العربية والإسلامية ـ للأسف الشديد ـ عدم قدرتها على الوقوف صفا واحدا، في وجه التحديات التي تواجههم، وتواجه بلدانهم، وشعوبهم.
والحقيقة أنه "إذا عرف السبب بطل العجب".. بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا : كيف نتعجب مما يحدث لأمتنا في الوقت الذي نعرف فيه سبب ما يحدث لنا وللأمة ؟
السبب الحقيقي ـ الذي يؤدي إلى العجب ـ هو إصابة أمتنا بالوهن، والخمول، والركون، والركود، إضافة إلى ضعف المسلمين سياسيا، وتخطيطيا، ودبلوماسيا، ما جعلهم يقبعون في قوقعة الخنوع والمهانة، وعدم القدرة على تحريك أي ساكن، حيال أدنى ما يواجههم من تحديات، ومشاكل، وملمات.
لقد تفرغ المسلمون للانشغال بصراعاتهم الداخلية ـ بكل أطيافهم وفئاتهم ـ تاركين الميدان، للنيل منهم من خلال تقطيع وتمزيق بلدانهم، وتطبيق نظام فـَرق تسد عليهم، وزرع الفتن بين أبنائهم.
وها هو مخطط تقطيع وتمزيق السودان قد لاح في الأفق، ووصل إلى الأمم المتحدة رأسا، وينتظر الفصل في يناير من العام المقبل 2011م.. ومن المسلم به أن أعداء السودان والمسلمين همهم الأول تفتيت هذا البلد الإسلامي الذي يحتل موقعا استراتيجيا هاما ويشغل مساحة شاسعة واسعة زاخرة بكل الخيرات.. وهي في معظمها أرض بكر تختزن في باطنها كميات هائلة من البترول تبشر بمستقبل زاهر وضّاء، مما فتح شهية الكثيرين ممن يتحينون الفرص لتحقيق مآربهم فيمارسون تدخلاتهم في شؤون السودان.ولا شك أن الأزمة الاقتصادية والغذائية التي تجتاح العالم وتهدد الملايين دفعت إلى توجّه الأنظار إلى السودان، ففيه الأرض البكر والأيدي العاملة الرخيصة، والمياه الوفيرة.. وتشير الدراسات إلى أن السودان ٍلا تشغل فيه المساحة المزروعة سوى نسبة ضئيلة ، وهذا يدعو المستثمرين للتوجه إلى هناك للاستثمار في زراعة الأرض بالحبوب والخضروات والفواكه وهذا من شأنه أن ينهض بالسودان ويوفر لأبنائه حياة رخيّة هانئة ، فضلا أن المسلمين يتحقق لهم الأمن الغذائي الذي يعانيه عالم اليوم الذي يشهد تراجعا مخيفا في توفير الغذاء لمئات الملايين من البشر.
وفوق هذا وذاك يسبح جنوب السودان في مخزون مائي هائل يرفد نهر النيل بكميات هائلة من المياه تنساب فيه شمالا عبر السودان ومصر..وماء النيل عصب الحياة وشريانها في كلا البلدين.. وأي تهديد لمياه النيل هو بمثابة إعلان حرب على البلدين..
وهذا أمر لا تهاون ولا تفريط فيه؟! فكيف يتعجب المسلمون مما يحدث لهم، والسبب في ذلك واضح للعيان كوضوح الشمس في كبد السماء، وهو إصابتهم بالوهن، وضعف الإرادة نحو إحكام السيطرة على مصالحهم، ومقدراتهم، وثرواتهم، وبلادهم.
ألم يكف المسلمين ما حدث لفلسطين، والعراق، والصومال لكي يفيقوا من سباتهم الذي يشبه الغيبوبة التي لا تنتهي أبدا ؟!
ماذا ينتظر المسلمون بعدما حدث ويحدث في فلسطين، والعراق، ولبنان، والصومال، وما يحاك من مؤامرات ضد بلدان إسلاميةأخرى ؟!هل تنتظر الأمة الإسلامية والعربية خارطة طريق جديدة لمنطقتهم، لأنهم ملوا منظر وشكل وطنهم الحالي، بما هو عليه من حدود حالية، لذلك هم ينتظرون من ينفذ لهم ذلك من خلال تقسيم وتمزيق وتفريق بلدانهم ومجتمعاتهم وشعوبهم ؟!
الأسئلة التي تدور في الأذهان كثيرة، وللأسف الشديد تثبت يوما بعد آخر عكس ما للأمة من تاريخ، وقدرات، وإمكانات بشرية، وطبيعية، إذا استغلها المسلمون أنفسهم خير استغلال، يمكن أن تجعل الأمة الإسلامية خير الأمم لكن كيف يتسنى تحقيق ذلك، مع وجود الوهن، وضعف الإرادة لدى المسلمين الذين لا يريدون التخلي عنهما؟
كفى للأمة فرقة، فالعالم الإسلامي يتعرض لحوادث تفتك بوحدة أراضيه وتهدد بعض دوله بالانفصال إلى كيانات تخدم أجندات خارجية تتخذها مطية لتحقيق أهدافها الخبيثة.. وما يدور في العراق والسودان والصومال غير بعيد عن هذا الطرح وهذا التوجه وكلها تلتقي عند الإضرار بمصالح الأمة العربية انطلاقا من حقدهم الدفين وخوفهم من أن هذه الأمة لو توحدت لحققت كل أسباب النهضة والرقي والتقدم . ولبلغت الأوج في كل المجالات، ولأصبحت قوة مؤثرة يحسب لها العالم كله ألف حساب.
فيصل مختار