نسمع صباحاً رنين أجراس المدارس وقبلها الطلاب يتسابقون للمدرسة وحافلات تلتقط تلاميذ منتظرين على حافة الطرقات ونعود بالذاكرة إلى سنوات بعيدة للوراء، هل كانت المدارس أفضل أم كان التدريس أجود؟ أم الطالب وتجاربه كانا بخير؟ تساؤلات نطرحها ببراءة ولا ننتظر إجابة عنها!! تلك تساؤلات نطرحها جميعاً لأنه وتبعاً لأهم الدراسات العالمية توعية التعليم في بلد ما تنعكس بالضرورة على تقدمه واقتصاده وتنافسيه وصحته ومنعته، آلاف من الطلاب عادوا للمدارس منذ أربعة أسابيع مضت في جيبوتي وهذا يعبر عن حجم الحمل الموضوع على كاهل وزارة التربية ومؤسساتها، ويمكن أن نطرح هنا التساؤل المفتاحي ما هو مستوى المرحلة الأساسية والأعلى منها ! وقبل التصدي للإجابة أورد حادثتين.
الأولى: ذكرها مفكر مصري: أنه في نهايات المرحلة الابتدائية كانت المدرسة في أيامه تطلب من الصف تلخيص مقال هيكل الأسبوعي في الأهرام بصراحة وعرضه أمام زملائه هكذا كان مستوى القراءة والإلقاء!! والثانية: كان الطالب في نهاية المرحلة الثانوية يطلب من زملائه تلخيص أحد أمهات الكتب العربية أو الإنجليزية ومناقشته أمام اللجنة قبل ولوج كلية الآداب نقف طويلاً أمام الحادثتين ونقارنهما بالوضع الحالي لطلابنا اليوم، وليس عن عبث أن طلب فخامة رئيس الجمهورية في خطوة غير مسبوقة إتقان اللغات الأربعة (العربية، الفرنسية، الانجليزية، والحاسب) من المتطلع لوظيفة رسمية، ونرى محاولات شتى لتحديث البرامج منها ما يخطئ ومنها ما يصيب خبط عشواء ونسمع أيضاً شكاوي من أولى الأمر حول غلاء الكتب المدرسية وأعباء المدرسة ما يساهم في زيادة تسرب أبناء الفئات الفقيرة، كما نسمع أن المناهج الجديدة ليست كتاباً مقدساً لا يدخله القصور هناك تعليقات كثيرة حولها، هل يمكن أخذ التعليقات "الرصينة، بالاعتبار ودراسة التعديلات اللازمة والممكنة ثم أن الكتاب المدرسي لا يخرج عن الصف ولا يصاحب الطالب وقد قيل"خير جليس الكتاب" إن المسئولية المباشرة تقع على المدرسة نفسها فهناك بعض المدارس تصبح كابوساً للطالب وخاصة من طلاب الصفوف الأولى في المرحلة الأساسية فالجو المكفهر يخيم على نفسية الطالب بسبب عدد التلاميذ في الصف (55) أو يزيد.
فإذا دخل التلميذ الفصل فإنه يجد نفسه غريباً وأستاذ الصف يشير له فقط بالجلوس في أي مكان فيجلس في مؤخرة الصف لا يسمع ما يقوله الأستاذ ولا يشاهد ما يكتب على السبورة يظل الساعات والأيام الأولى بخوف وقلق أما إذا كان الأستاذ الذي يستقبله وبيده العصا أو المسطرة الطويلة التي يضرب بها على المحطة الأمامية بين حين وآخر لتهديد تلميذ أو ضرب بها لسبب أو لآخر هنا تنبت ومن هذه اللحظة بذور الكراهية والخوف من المدرسة هذه بعض المشاهد الأولى التي تغرس عوامل الكراهية عند التلامذة إذن كيف المخرج من هذه النمطية المزعجة ونحن في بداية عام دراسي أتمنى شخصياً أن تكون الحصة الأولى من العام الدراسي هي للتعارف بين الأساتذة وتلاميذهم من جهة والتلاميذ فيما بينهم من ناحية أخرى كل تلميذ يقف باتجاه زملائه يعرف عن نفسه وعن اهتماماته وهواياته ويقول ماذا يتمنى ويتوقع من المدرسة وإن حصل عليه ليكون شخصاً ناجحاً متفوقاً متعلماً في حياته بعد هذا التعارف يدخل الأستاذ في نقاش مع التلاميذ ويوضح لهم أن المدرسة ليست فقط حصصاً وحفظ دروس وإنما يقول لهم هنا ستمارسون اللعب ولكن عن طريق الفرق الرياضية التي ستشكل من الفصول وسوف ترسمون وستقرؤون القصص التي في المكتبة وستقومون برحلات للمتاحف والمعالم الطبيعية، وأن يقول لهم أيضاً إن النظام سهل جداً ولكنه صارم ولا تنازل عنه وسيعرفهم على جوانب من هذا النظام المطلوب ابتداءً من احترام الأستاذ والانصياع وسماع كلامه الاحترام المتبادل بين الطلاب وتكوين صداقات مفيدة لتبادل المعلومات حول المواد الدراسية وتشكيل فرق الأنشطة المدرسية احترام المدرسة وممنوع المزاح العدواني العنيف ممنوع رمي المخلفات الالتزام بلبس نظيف الالتزام بحل الواجبات المدرسية، وبالإضافة إلى هذا كله ندرك جيداً قيمة التعليم كونه يشكل نقلة بالإنسان وبمجتمعه إلى آفاق رحبة يتمكن من خلاله ذلك الفرد وذلك المجتمع من القيام بدورهم الخلاق في سبيل خدمة وطنهم وهناك تكمن قدرة التعليم على إخراج أجيال إلى حيز النهوض والارتقاء بالشعوب وهنا نعترف ضمنياً أننا نعاني من قصور واضح في عملنا التربوي لأسباب عديدة لعل من أبرزها إلى جانب المعلم المنهج المدرسي فلم يعد تصنيف المنهج كسابقيه فقد أضحى مختصراً جداً ومعقداً أيضاً وهنا أصبح التلميذ بحاجة إلى معلمين اثنين أحدهما في المدرسة يشرح الكتاب والآخر في المنزل يفك رموزه البعيدة والصعبة بالنسبة لعقليات الطلاب، والمنهج المعتمد في الفترة الأخيرة بليغ في المعلومة لكنه لا يجعل الطالب يتعلم بمفرده على غرار المنهج القديم وقد قال في هذا المجال كثير من التربويين بأن المنهج القديم أعتمد على حشو العديد من الأفكار دون تقنيين ونحن نقول فعلاً حصل أن أفردت مساحات كثيرة في الكتاب المدرسي القديم لكنها كانت مفيدة.
فإذا لم يتمكن الطالب من المتابعة في فصله الدراسي فإن المنهج يشكل له عوناً أثناء عودته للمنزل لاستكمال واستذكار دروسه وهذا السلوك كان سائداً في الفترات التي لم تسبق التطور الذي قيل عنه في محتويات المنهج المدرسي حالياً.
إذن.. لابد من أن يلم المنهج بطبيعة الطالب ويكون له عونا على التحصيل السليم والمقدرة على استخراج المعلومة بطريقة تؤكد الفهم المقصود من خلال ذلك التعليم ولعل الميزة التي احتواها المنهج الجديد وخاصة في كتب اللغة العربية هي فقرة القراءة والتركيز عليها طبعاً لأهميتها فالقراءة داخل الصف الدراسي أثناء القراءة تمكن الطالب من الوقوف عند مفاهيم النص والفقرات المراد التأكيد عليها. ثم أن هناك في إطار المنهج دروساً تفتقد للشرح الواضح ويتم اعتمادها على جهد المعلم وحده وهذا يشكل صعوبة من أثر عامل الزحام داخل الصفوف الدراسية، فغالباً لا يوفق المعلم في التعريف بجميع الفقرات فهو يترك مجالاً لبحث الطالب بينما الطالب لا يعطي ذلك البحث أي اهتمام مما يشكل صعوبة وتساهلاً عند الطالب والمعلم معاً ويخرج الطالب بعد ذلك معزولاً عن الإلمام بما يقدم له من معلومات، إن المنهج المطلوب يجب أن يكون عاملاً واضحاً أثناء الاطلاع عليه من قبل الطالب والمعلم وكذا الأسرة فكثير من الأسر، طبعاً من كان لها حظ في التعليم ترى صعوبة كبيرة في المنهج مما يعيق قدرتها في استذكار الدرس مع أبنائها.
فمن واجب المعنيين أن يضعوا في حسبانهم دور الأسرة وأن تكون تلك الرموز الموجودة في المنهج غير مبهمة لكي نشرك في العمل التربوي الأسرة إلى جانب المدرسة كون دورها مهم جداً في عملية المراجعة والمتابعة، أضف إلى ما سبق تأخر المنهج المدرسي كلياً وجزئياً عن بعض المدارس فرغم ما يقال في بداية كل عام دراسي أن الوزارة طبعت عدداً من المناهج وأن المدارس مستوفاة فيها الكتاب ولم يلحظ أي نقص إلا أن الحقيقة عكس ذلك، وفعلاً هناك مدارس مغطاة بالمنهج وبالمقاييس هناك مدارس تستلم عدداً معيناً من الكتب المدرسية ولا تزال تعاني النقص حتى نصف العام وغالباً ما يمر النصف الأول من العام الدراسي ولم نستلم الكتب الناقصة، والملاحظ، أن بعض الصفوف الابتدائية لم تسلم لهم كتب اللغة العربية لقراءتهم واستذكارهم في المنزل وهذا بدوره يؤدي إلى وجود فجوة تعليمية تساهم في التردي الحاصل في إطار التعليم في مدارسنا.
عبد الرحمن حسن رياله