في المؤتمر الدولي لمحاربة الفقر والمرض التي انعقدت قبل شهر في نيويورك تحديداً بلغت المسرحية المجتمع ذروتها عندما قال أمين عام هيئة الأمم: إن العالم يمتلك المعارف والموارد لمساعدة البشرية في القضاء على الآفات الأساسية التي تهدد حياة الإنسان: الجوع والمرض والجهل، لكنه تجنب تماماً مجرد الإشارة إلى أولئك الذين يحتكرون بقوة السلاح معارف العالم وموارده وراح ينافقهم داعياً إياهم إلى المضي قدماً في الإيفاء بالتزاماتهم من المنح مثمناً نجاحهم على الرغم من هشاشته.
وجدير بالذكر إلى أن المنح التي تتظاهر الدول الغنية بتقديمها للشعوب المنكوبة كأنما هي من مالها الخاص ليست في التحليل الأخير سوى أموال الشعوب عموماً وعلى الأخص الشعوب التي تعاني من الجوع والمرض والتخلف والأنكى أن هذه الدول الثرية تسترد منحها أضعافاً مضاعفة من عرق ودماء وعظام المستضعفين في الأرض هذا في حال تقديمها فعلاً لا تظاهراً أو تمثيلاً، تقول المعلومات المؤكدة أن هذه الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة لم تقبل رفع نسبة مساهمتها إلى سبعة أعشار الواحد في المائة من نتاجها المحلي فهي اعتادت على مدى قرون أن تأخذ دائماً وألا تعطي أبداً.
وهكذا وضعت عشر سنوات منذ بدأت الألفية الثالثة ومنذ أعلنت هيئة الأمم عزمها على تقليص عدد الفقراء والمرضى في العالم إلى النصف في مهلة أقصاها عام 2015 ناهيكم عن تعهداتها بالتصدي لأنماط الإنتاج والاستهلاك التي تدمر الطبيعة والمناخ فماذا كانت النتيجة؟
ارتفع عدد الجياع إلى حوالي المليار حسب آخر إحصاءات الأمم المتحدة وكذلك ارتفع عدد المرضى والموتى وتعاسة الأطفال والأمهات فقد توفي 14 مليون طفل لسبب المياه الملوثة وما ترتب عليها من أمراض معوية ومن المتوقع أن يتوفى نحو سبعة ملايين طفل قبل العام 2015 بسبب الإسهال تحديداً وهو المرض البسيط السهل العلاج.
لقد حضر المؤتمر نيويورك ممثلون على أعلى مستوى لحوالي 140 دولة، وبالطبع ليس من الإنصاف اتهامهم جميعاً بالتواطؤ وبمجرد التظاهر والتمثيل بل إن الكثيرين منهم شاركوا بدوافع نزيهة ومخلصة مؤملين أن ينجحوا في تحقيق عمل طيب ما، وأن يفرضوا وجودهم وليسمعوا صوتهم على أساس أن مجتمعاتهم جزء لا يتجزأ من المجتمع الدولي.
غير أنهم اصطدموا بحقيقة أن ما يسمى بالمجتمع الدولي ليس سوى الراعي الكبير (الولايات المتحدة) وبناء على ذلك فقد كان معبراً على سبيل المثال لا الحصر أن يربط رئيس أوزباكستان بين الحروب التي تشعلها الدول الغنية في البلاد العربية والإسلامية خصوصاً وبين تفاقم الفقر والمرض والتخلف على أوسع نطاق عالمي.
وعودة إلى بان كي مون بعد الإشارة إلى موقف الرئيس الأزبكي صدر كريموف أن أمين عام هيئة الأمم شخصية سياسية بارزة ويفترض أن صفته الدول الحالية لا تلغي انتماءه الوطني ولا تنسيه تمزيق بلاده إلى دولتين وإقامة القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها في إحدى شطريها حيث يتمركز عشرات الألوف من الجنود الأميركيين للحيلولة دون وحدة الشعب الكوري ونهوضه المستغل وذلك لمصلحة من يحتكرون معارف العالم وموارده وفي جملتها معارف الكوريين ومواردهم غير أن أمين عام هيئة الأمم الذي يدين الولايات المتحدة بمنصبه الدولي الرفيع لا يستطيع مجرد الإشارة إلى معاناة شعبه، فكيف يمكن أن يشير إلى مأساة عرب فلسطين مثلاً، غير أن المسرحية الدولية صارت بالغة الفجاجة عندما وقف قاتل الأطفال العرب في قانا وغيرها المجرم شمعون بيريز ليعلن من على المسرح أن مقاومة الشعوب لمغتصبي أوطانها وناهبي ثرواتها هو إرهاب يهدد المجتمع الدولي ولم يكتف المتهور المرتزق بذلك من الفحيح الثعباني بل تحدث وقاحة لا مثيل لها عن تحالف عربي إسرائيلي قائم لمواجهة الخطر لدولة مسلمة، وهل ينبغي التذكير هنا بأن شمعون بيريز هو أحد مؤسسي القاعدة النووية الإسرائيلية في الخمسينات ، حيث كان مديراً عاماً لوزارة الحرب الإسرائيلية.ويبقى أن نشير هنا إلى ما يقال بصدد أحجام الدول الغنية عن تقديم المنح إلى الدول الفقيرة منها باكستان المنكوبة بالفيضانات وهايتي التي ضربها الزلزال بأحجام تفوق حجم نكبتها، هناك أسباب الاختلاف الظاهري في المعاملة يعود إلى من استسلم أو من لم يستسلم... ولله الأمر من قبل ومن بعد.
عبد الرحمن حسن رياله