شهدت الصيرفة الإسلامية مواجهات كبيرة تزامنت مع التغيرات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات الإسلامية، وقد برز نتيجة لوعي المستهلك عدد من التحديات، أبرزها، ازدياد حدة المنافسة، بالإضافة إلى المتطلبات التقنية والقانونية على صعيد المقررات في بازل 2.
ومع بروز التطور النوعي في الأنظمة المصرفية، والتي شملت تطور الخدمات المصرفية الإسلامية بلغت معظم الخدمات المصرفية المقدمة مرحلة النضوج وهو ما أدى إلى تشابه الخدمات المقدمة، ربما بتعبير مختلف وبشكل مختلف، مع احتوائه على نفس المضمون.
هذا النضوج وضع أطرا جديدة للمنافسة بين المصارف، خاصة فيما يتعلق بأنواع الخدمات المقدمة،
وبالتالي ظهر مفهوم جودة الخدمة المصرفية كواحد من أهم المجالات التي يمكن أن تتنافس المصارف فيما بينها من خلاله, مما يعني توجه عملاء المصارف في طلب الخدمات المصرفية ليس فقط لمجرد المضامين التسويقية التي يحصل عليها من تلك الخدمة، وإنما لما تتصف به تلك المضامين من قيم رمزية يبحث عنها العميل وتشكل له جودة أفضل من وجهة نظره, وضمن هذا السياق ظهرت مجالات للتمايز في تقديم الخدمات المصرفية وهو ما يشكل مفهوما لجودة الخدمات المصرفية مثل خدمة وحسن استقبال العملاء ، التعاطف مع العملاء، سرعة الإنجاز، السرية في التعامل ، أسلوب تقديم الخدمة.
وترتكز الجودة على اتجاهين هما: الجودة الداخلية المبنية على أساس تقديم الخدمة وفق مواصفات قياسية صممت على أساسها تلك الخدمة. والجودة الخارجية وهي تركز على مدى اقتناع العميل بمستوى الخدمة المقدمة إليه، وهنا يفاضل بين العلامات التجارية المختلفة التي من خلالها يحصل على خدماته.
مفهوم الجودة الخارجية للخدمة المصرفية يصبح مهما كونه يرتكز على متطلبات العملاء، فيتم اختيار الخدمة بناءا على توقعاتهم.
وبالتالي فان قياس جودة الخدمات المصرفية يجب أن تحدد على أساس إيجاد المقاييس التي ترتبط باحتياجات العملاء وتعبر عنها. ويمكن تحديد خمسة أبعاد مختلفة لقياس جودة الخدمات المصرفية الإسلامية وهي:
1. المادية:وتمثل الجوانب الملموسة والمتعلقة بالخدمة مثل جهوزية مباني المصارف، والتقنيات الحديثة المستخدمة فيها، والتسهيلات الداخلية للأبنية، والتجهيزات اللازمة لتقديم الخدمة، ومظهر الموظفين.
2. االاعتمادية: وتعبر عن قدرة المصرف من وجهة نظر العملاء على تقديم الخدمة في الوقت الذي يناسب العميل، وبدقة ترضي طموحه، وهو ما يعبر عن مدى وفاء المصرف بالتزاماته تجاه العميل.
3. الاستجابة: وهي القدرة على التعامل الفعال مع كل متطلبات العملاء والاستجابة لشكاويهم، والعمل على حلها بسرعة وكفاءة بما يقنع العملاء بأنهم محل تقدير واحترام من قبل البنك الذي يتعاملون معه. إضافة لذلك فان الاستجابة تعبر عن المبادرة في تقديم الخدمة من قبل الموظفين بصدر رحب.
4. الثقة: وهي التأكد بأن الخدمة المقدمة للعملاء تخلو من الخطأ أو الخطر أو الشك شاملا الاطمئنان النفسي والمادي .
5. التعاطف: وهو إبداء روح الصداقة والحرص على العميل وإشعاره بأهميته والرغبة في تقديم الخدمة حسب حاجاته.
حيث أن أهمية قياس جودة الخدمات المقدمة من قبل البنوك الاسلامية تكمن في تقييم مخاطر السوق، ولكي تتمكن الإدارة بشكل عام من معرفة الموقع التنافسي في بيئتها بهدف مساعدة تلك الإدارة على الانطلاق لرفع مستوى خدماتها، بهدف زيادة حصتها السوقية، والتي تقود إلى تعظيم ربحيتها خاصة وأن البيئة التي تعمل فيها البنوك الإسلامية في الوطن الإسلامي تساعدها على تحقيق ذلك سيما أن عددا كبيرا من المواطنين لا يرغب في التعامل مع البنوك التجارية غير الإسلامية من منطلق ديني.ولتحقيق هذه الغاية على المصارف الإسلامية أن تتخذ مجموعة من الإجراءات لتحسين جودة خدماتها لكي تكون منافسا قويا للمصارف التقليدية، والعمل باستمرار على تحسين وتنويع تلك الخدمات بما يلائم رغبات وتطلعات عملائها من خلال فهم توجهات وتوقعات العملاء.
ويمكن تصنيف خمسة مستويات لجودة الخدمات المصرفية يمكن تحديدها بالآتي :
1. الجودة المتوقعة من قبل العملاء والتي تمثل مستوى الجودة من الخدمات المصرفية التي يتوقعون أن يحصلوا عليها من المصرف الذي يتعاملون معه.
2. الجودة المدركة، وهي ما تدركه إدارة المصرف في نوعية الخدمة التي تقدمها لعملائها والتي تعتقد أنها تشبع حاجاتهم ورغباتهم بمستوى عال.
3. الجودة الفنية، وهي الطريقة التي تؤدي بها الخدمة المصرفية من قبل موظفي المصرف والتي تخضع للمواصفات النوعية للخدمة المصرفية المقدمة.
4. الجودة الفعلية التي تؤدى بها الخدمة والتي تعبر عن مدى التوافق والقدرة في استخدام أساليب تقديم الخدمة بشكل جيد يرضي العملاء، أي بعبارة أخرى كيف يرفع موظفو البنك من مستوى توقع العملاء للحصول على الخدمة المصرفية.
5. الجودة المرجوة للعملاء، أي مدى الرضا والقبول الذي يمكن أن يحصل عليه المصرف من عملائه عن تلقيهم لتلك الخدمات.
ولمعرفة جودة الخدمات ومستواها على المصارف الإسلامية التزود بالمعلومات الضرورية التي تمكنها من معرفة مستوى الخدمات المقدمة لعملائها من وجهة نظرهم، وليس من وجهة نظر المصرف، للتمكن من اتخاذ كل ما هو ضروري لتلافي النواقص ومعالجة الخلل من خلال تحسين نوعية الخدمات وترشيد القرارات التي تتخذها الإدارة، بما يساهم في احتفاظ المصارف بعملائها الحاليين، وجذب عملاء جدد، مع ما يؤدي إليه ذلك من نتائج إيجابية على مجمل أداء البنوك الإسلامية.
وتسعى المصارف الإسلامية إلى تقديم خدماتها وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية، ومن هذا المنطلق فهي مركز جذب لعدد كبير من عملاء المصارف التقليدية، الذين يجدون حرجا دينياً في التعامل بالفائدة, ودليل نجاح المصارف الإسلامية في تصميم خدماتها المصرفية بما يتناسب واحتياجات عملائها خلال العقدين الماضيين، هو نمو عدد فروع البنوك الإسلامية في العالم، والتركيز على مفاهيمها كعامل جاذب ومؤثر في الصناعة المصرفية. وبالتالي، فإن قياس أداء المصارف الاسلامية، وتقويم فاعليتها، واختبار جودة خدماتها، وتلمّس واكتشاف جوانب القصور فيها، يعد أحد السبل الهامة للرقي، والتطوير، والنهوض، من أجل تحقيق أهداف التنمية والمساهمة الفاعلة في الاقتصاد الوطني.
لذا فإن هناك ضرورة لقياس جودة الخدمات التي تقدمها البنوك الإسلامية تحقيقا للأهداف، من وجهة نظر عملائها وتحديد أبعادها، ومحاولة معرفة توجهات العملاء نحو الخدمات المصرفية الإسلامية، وذلك لتصويب قرارات إدارات البنوك الإسلامية لتطوير وتحسين خدماتها بما يساهم في تطوير أعمال هذه المصارف.قد تكمن الإيجابية في أن نمطية الخدمات التي تقدمها المصارف بشكل عام، تدفعها إلى تحسين الخدمات بما يلائم حاجات عملائها للفوز برضاهم وولائهم بهدف تنمية حصتها في السوق، وصولا لتعظيم الربحية. وقد تعرضت الخدمات المصرفية الإسلامية للتطور التدريجي النوعي والكمي بشكل عام في العالم وبشكل خاص في بلادنا إلا أنها في نفس الوقت لم تسلم من الانتقادات من قبل العديد من عملائها، لذا فإن قياس جودة الخدمات التي تقدمها البنوك الإسلامية من خلال دراسة علمية ميدانية أصبح مطلبا مهما، وذلك لتلمس جوانب القصور والضعف في هذه الخدمة.

عبدالله وعيس ( مختار)
ماجستير في التسويق