لماذا يتخذ البعض من المسلمين التخلف ليكون شعارا لهم بل ملازمة لا تفارقهم؟, ألم يحن الوقت لمجاراة الأمم التي تمكنت من غزو الفضاء الخارجي, في الوقت الذي لا تزال فيه أمتنا الاسلامية غارقة في ظلام العصور الحجرية؟, وهل شعار"خير أمة" هو ما سينقذ هذه الأمة ويخرجها من الظلمات الى النور؟. في الوقت الذي ينشغل فيه العالم المتحضر باكتشافاته واختراعاته وتطوره ورقيه, ينشغل علماء الأمة الاسلامية باصدار فتاويهم فاقدة اللون والطعم والنكهة, وما أكثرها من فتاوي..انها فتاوي تدل على مدى الانحطاط الذي وصلت اليه هذه الأمة ممثلة ببعض"علماء السلاطين".
لماذا كتب علينا أن نكون أمة اتخذت من الجهل عنوانا ومرجعية لها؟, وهل نفتخر بتخليد مشاهيرنا من خلال أقوال لهم تسخر منا أمثال أبو الطيب المتنبي الذي قال فينا"نحن أمة ضحكت من جهلها الأمم"..مقولة أطلقها هذا المتنبي قبل ما يزيد عن عشرة قرون, وكأنه يقر "فنجاننا"..لماذا نقوم بمهاجمة من نسميهم زورا وبهتانا بأنهم أعداء لنا ولمجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا, في الوقت الذي تعصف بنا حالة من التشرذم والانقسام لم نشهد لها مثيلا منذ قرون خلت؟..ألم يحن الوقت لنصارح على الأقل أنفسنا ونقول بأننا لم نركب سفينة التحضر والتقدم والتطور, بل فضلنا السير قدما في ركوب الحيوانات وخاصة الحمير منها؟..لماذا نعيب غيرنا وزماننا والعيب يحيط بنا من جميع الجهات, بل انه ينخر عظامنا, هذه العظام التي نخرها الغرب الذي لا نزال نأخذ منه سلبياته وأما ايجابياته, فهي محرمة علينا؟..ومتى سندرك بأن الانفلات في فتاوي الجهل والتخلف لن يلحق الأذى الا بأمة المليار ونصف المليار؟.
فتاوي غريبة وكثيرة لا تعد ولا تحصى يصدرها شيوخ الجهل والتكفير وهي معروفة وكثيرة، فمنهم من يفتي لشباب مساكين لا يعرفون عن الدين شيا بأن قتل الأبرياء وتفجير أنفسهم جهاد في سبيل الله، ومنهم من يخرج الناس عن الملة بأشياء طبيعية، كالذي أصدر فتواه قبل أسبوعين تقريبا هنا في مينيسوتا بأن كل من شارك في إجتماع مع الأديان الأخرى كافر وخارج عن الملة رغم أن أصحاب هذه الأديان أظهرو حسن نواياهم و أعلنو وقوفهم مع المسلمين ضد المحن اللاتي تتوال عليهم خاصة في أمريكا من حرق المصحف الشريف ومنعهم بناء مركز إسلامي في مدينة نيويورك..ولعل أغرب فتوى لفتت نظري هي تلك التي صدرت من دائرة الافتاء العام لإحدى البلدان الإسلامية وهي فتوى تحرم على الشباب والفتيات ارتداء "بنطلونات الجينز"
والسؤال الذي يطرح نفسه:لماذا يشغل- من يدعون أنهم علماء- أنفسهم باصدار هذه الفتاوي متجاهلين أمورا سلبية أعظم أهمية تعصف بمجتمعاتنا العربية والاسلامية من المحيط الى الخليج؟..ظواهر الفقر والجوع والبطالة وتدني مستوى التعليم والأمية وانتشار الأمراض والعنف المجتمعي بكافة أنواعه وخاصة الجامعي والأسري وغياب سلطة قانون الدولة وسط حضور ملموس وواضح للقانون العشائري القبلي المتخلف..الوضع الاقتصادي المتدهور وسياسة احتكارالسلع, وسيطرة المحسوبية والواسطة, اضافة الى سيطرة الطبقات الثرية على معظم مرافق الحياة على حساب الطبقات الفقيرة المعدومة الكادحة وهي الطبقات المنتجة في المجتمعات ولكنها مستعبدة.
إن ما نشهده من حالة انفلات غير مسبوقة في صدور الكثير من الفتاوي عن ما يسمى بكبار علماء الدين المسلمين،والتي أغلبها نتاج لفكر ظلامي وعصبوي وتكفيري واقصائي وطائفي ليس له علاقة بالدين،
وهذا الفكر وهذه الفتاوي المشوهه للدين والمجتمع هي نتاج لفكر جماعات تكفيرية متسلحة بأفكار جلجلت وزلزلت وخسفت وغيرها من هذه اللازمة المقيتة،والتي يبدو أنه لديها أجندات وأهدافا ليس الهدف منها تحصين وحماية المجتمع من الآفات والأمراض الاجتماعية وتطبيق تعاليم الشريعة،بل تدمير النسيج المجتمعي وبث ثقافة الرعب والتخويف فيه وخلق تصورات غريبة عن الدين والمجتمع العربي والإسلامي.
مثل هذه الأفكار المغرقة في التخلف والغيبية والإقصائية والتطرف،هي التي توجد الأرضية الخصبة لممارسات وجرائم تغلف بالدين والشرف والكرامة وحماية وتحصين المجتمع من الأفكار الغريبة والفكر المستورد.
فيصل مختار