في الأسبوع المنصرم كنت أستمع إلى خطبة الجمعة في أحد مساجد العاصمة، وكان موضوع الخطبة واجبات الفرد في المجتمع المدني، حسب النصوص الفقهية، وشخص الخطيب واجبات المرأة فقال: إن على المرأة أن تلازم بيت الزوجية لتدبر شئونه ولترعى الأطفال وتهيئ لزوجها الراحة والاطمئنان فأعادتني ذاكرتي إلى حديث الرسول (صلي الله عليه وسلم) النساء شقائق الرجال: وقد سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنية بمختلف أنواعها وفي شئون المسئولية والجزاء في الدنيا والآخرة، ولم يفرق أيضاً بينها في هذه الحقوق إلا حين تدعو إلى مراعاة طبيعية كل من الجنسين وأعبائه في الحياة وما يصلح له وكفالة الصالح العام وصالح الأسرة وصالح المرأة نفسها، وأعطى المرأة الحق نفسه الذي أعطاه الرجل، وأباح لها أن تحصل على ما تشاء الحصول عليه من علم وأدب وثقافة وتهذيب، بل إنه ليوجب عليها ذلك في الحدود اللازمة لوقوفها على أمور دينها وحسن قيامها بوظائفها في الحياة، وقد قرأنا من كتابات عن المرأة، وهي الموضوع والمادة الأكثر جدلاً وإشكالية في كل الكتابات اعتباراً من المرأة البدائية وفي الأساطير الأولية والأديان والكتابات الخيالة والواقعية البحثية والأدبية والفكرية وصولاً إلى عصرنا من "المرأة النمطية والمتعلمة والمثقفة والعاملة والإعلامية والسياسية والاقتصادية والفنية ووجدت أن الهيمنة الذكورية مازالت مستمرة في المجتمع الإنساني وخاصة في الشرق الأوسط وما جاورها وهي تأخذ مظاهرة عديدة وترتدي لبوساتها المختلفة والمتنوعة ما يضمن استمرارها في كل الأزمان كوجود فاعل في حركة المجتمع فقد تتموضع في العادات والتقاليد والمنظومات الثقافية والفكرية والحقوقية القانونية التي أطلقت حق الذكورة في تقرير مصير الأنوثة لتكون للثانية المرتبة الأدنى، تلك الرؤية التي اتفق عليها العرب المختلفون على كل شيء، كما تقول خالدة السعيد في كتابها "في البدء كان المثنى" وأما الاستثناء التي أصابت منه المرأة في بعض الأقطار العربية فإنه مازال محدوداً ومازال غياب الكثير من حقوقها مهدوراً خاصة في تقرير المصير والمشاركة في سياسة الجماعية، هذا التحيز الثقافي والتراثي لمصلحة الرجل دعا الباحثين والمفكرين إلى تناول الموضوع بطرق عدة فمنهم من قال في البدء كانت الأنثى التي رفعت من شأنها الحياة الغابية والزراعية وأوصلتها إلى مرتبة الألوهية وقد تجددت هذه الدعوة في عصرنا مع الدكتورة نوال سعداوي وعلى أيدي بعض الأدباء والكتاب الذين رأوا في المرأة مستودع القيم الإنسانية.ومنهم من تحيز لمصلحة الرجل وما أكثرهم فهو المتسامي وفي المقام العالي وهو الأصل وهي الأدنى تركع عند أقدامه (MONTERLIN) "الرجل والمرأة" في المقام الرفيع وفي العلاقة المشتركة تستكمل الحريات (STEINTHAL) وبهذا نرى أن التطرف والتحيز إلى الأنوثة أو الذكورة يذكى الصراع ولن يساهم في حل إشكالية العلاقة الملتبسة بينهما الرأي المحايد يفتح أبواب الحوار وإمكانية التغيير بالبحث والدراسة وتقصى الإرث التاريخي والثقافي والاجتماعي وبعض الفقه الديني وغيره ما يعوق التطور ويزيل الرواسب التي تؤجج الصراع والتطرف وتتيح استمرارية أهمية الذكورية التي تثقل كاهل النساء عبر مسيرتهن والتي تتحمل فيها بعض النساء موقف الرضوخ وقبول الظلم وهدر الحقوق وهذا ما دعا الكاتبة "شيرين دقوري" إلى الثور في وجه الدعوة إلى المساواة بالمقاييس العربية في كتابها "حريم القرن الحادي والعشرين" المرأة العربية بين الحضور والغياب- جاء فيه عبر دراسة اجتماعية -تاريخية- ثقافية- اجتماعية: إن المرأة في المجتمع العربي كائن بالرجل لا بذاتها وتخلص إلى رأي مفاده: إنها ترفض المساواة بنموذج الرجل العربي في عصرنا - أو أغلبية الرجال العرب التي من أبرز سماتهم الخضوع - الكبت- التخاذل، وتتابع فتقول "لأنني سأكون على شاكلتهم - مع إضافة الصفات الأنثوية الملحقة" الضعف - النقص - التبعية- الفتنة" وهي تريد بذلك الدعوة إلى بناء المجتمع العربي من جديد، وهكذا قد نجد في تعدد الأساليب والدعوات المتنوعة مدخلاً وتمهيداً لإمكانية استعادة الحقوق الأنثوية المهدورة، علماً بأننا من الداعين إلى البحث ومحاولة إيجاد صيغ الانسجام بعيداً عن النزاع والتخلف والانحلال ومن ثم تبادل الأدوار بين المفاهيم الثقافية التي ينتميان إليها وذلك عبر علاقة مشتركة تستكمل أهداف المساواة في التقدم والإنسانية ويمكن أن يعززها غزارة التعبير الإبداعي للمرأة وتسليط الضوء عليه والمشاركة في العلم والعمل والقرار ريثما تتصلح الأمور.
عبد الرحمن حسن رياله