لن يكونوا هذا العام سوى ثمانية عشر ألف مهاجر يهودي ليكملوا "العليا" ومعناها بالعبرية الصعود، وهي كلمة تشير للهجرة اليهودية إلي أراض فلسطين التاريخية من خلال الانتقال إلى الدولة العبرية فهي بعيدة كل البعد عن الموجات الهائلة من الوافدين أوائل التسعينات من القرن الماضي إحدى هذه العواقب الأقل وضوحاً هي الاضطرابات القائمة في الاقتصاد العالمي بسبب الإحصاءات السنوية للهجرة إلى الدولة العبرية ففي العامين الماضيين ارتفع عدد اليهود الذين طالبوا بمنحهم المواطنة الإسرائيلية، على الرغم من عدم الاستقرار الاقتصادي على المستوى الدولي إلا أن إسرائيل تقوم بأعمال لا تصدق حسب ما يقول المحللون فإن هذا العام وصل 18 ألف يهودي إلى إسرائيل ومع ذلك مازال العدد بعيد كل البعد عن مئات الآلاف من المهاجرين الذين كانوا يفدون من الاتحاد السوفيتي كان ذلك العصر عصر الهجرة الجماعية وقد ولّى اليوم دون رجعة، وأن زمن إنقاذ اليهود من المذابح والهولوكوست والاضطهاد قد أصبح من الماضي وأن ليس هناك حاجة له في الوقت الحاضر، لأن ما يقرب من 94 مليوناً من اليهود يعيشون في العالم الحر (حسب الإحصاءات العالمية) ولهم الخيار في القدوم إلى إسرائيل أوعدمه وعلى غرار ما يأمله الحكام الصهاينة فإن الأغلبية الساحقة من اليهود في أميركا وأوروبا اختارت عدم مغادرة بلدانها والذهاب إلى أرض الميعاد لأن الذين اختاروا الهجرة إلى إسرائيل والذين عاشوا على أساس أيديولوجي قد خيبت آمالهم وأن الفكرة القائمة على أن يعيش جميع اليهود في دولة خاصة بهم قد خابت أيضاً، ولذا قد تراجعت نسبة الوافدين إلى إسرائيل، ولكن في نفس الوقت ينبغي أن يتغير التوازن الديموغرافي مع سرعة معدلات النمو السكاني الفلسطيني.
ففي الثاني من شهر نوفمبر في العام 1917م كان وعد بلفوروفي ال29 من نفس الشهر عام 1947م صدر قرار التقسيم فكان أساس الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في النزاع على الأرضبين الفلسطينين أصحاب الحق الشرعي فيها وبين إسرائيل التي احتلت الأرض وطردت سكانها مستندة إلى وعد بلفور، وأساطير وادعاءات جائرة حاولت تبريرها باستخدام حجج دينية وعرقية وتزوير التاريخ وتهويد الأرض بعد اغتصابها فأوجدت لنفسها حقوقاً مزيفة تنفيها الأعراف الإنسانية وتنتهك القانون الدولي وأهم هذه الادعاءات.
1- الادعاء بالحق الديني حيث استعادت الصهيونية الأساطير الدينية وما جاءت به التوراة وكتب أحبار اليهود لتبرير عودة اليهود إلى فلسطين وإقامة الكيان السياسي والذي تدعي أن لها حق إقامته وهو ما لا تعترف به الشرائع الإنسانية ولا يقر به القانون الدولي الذي لا يعطي للدين موقعاً في مجال إثبات الشرعية لتحديد مصير دولة أو شعب في إقامة كيان سياسي، فالدين ليس واحداً من المصادر الرسمية في القانون الدولي وليس له فاعلية قانونية أو مركز مقبول في مطلب الشعوب والأمم حول كياناتها وحقوقها الإقليمية أو السياسية.
2- الادعاء الثاني بالحق التاريخي والذي ينطلق من حجة مفادها أن اليهود قد أقاموا دولتهم في فلسطين بين 100 و 586 قبل الميلاد حيث ظهرت مملكتا داود وسليمان تلك الدولة التي لم تعش سوى 70 عاماً لتنفصل كدولتين منقسمتين متصارعتين تحت السيطرة البابلية في عهد رحبعهام وهذا الادعاء ليس له أي قبول, فلكي يكون التقادم مانحا للسيادة يجب أن يكون وضع اليد ظاهرا ومستمراً وغير مفروض بالقوة وغير متنازع عليه وهو ما لا يتوفر في الحالة الإسرائيلية علاوة على أنه لو صح هذا الادعاء لأصيب العالم باضطراب وفوضى عارمة ونزاعات لا نهاية لها لكثرة الادعاءات التاريخية المشابهة له.
3- الادعاء الثالث بالحق القومي سعت الصهيونية إلى اعتبار اليهود أبناء قومية واحدة قوامها الدين يتمتعون بخصائص عرقية نقية فهم شعب الله المختار وهذا ادعاء باطل لأن اليهود أخلاط من جماعات وأجناس مختلفة كالفلاشا والألبان والروس والعرب فهم ليسوا شعباً واحداً وحتى الانتماء إلى قومية واحدة لا يعطي أصحابها الحق في انتزاع أراضي الغير بالغزو واقتلاع سكانها وإحلال شعب آخر مكانهم.
4- الادعاء الرابع بالحق السياسي حيث تذرعت الصهيونية بالمزاعم القائلة بأن اليهود تعرضوا للاضطهاد من شعوب مختلفة وأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض وأنه في سبيل الخلاص من هذا الاضطهاد يجب أن تكون دولة واحدة يسيرون فيها أنفسهم بأنفسهم ويتخلصون من حالة الكراهية والاضطهاد، فأن استثنينا حقيقة أن اليهود هم من استثاروا عداء الشعوب التي عاشوا بينها وتبرز حقيقة مهمة وهي أن معالجة الاضطهاد للمجتمعات والإقليات لا تتم على حساب شعب آخر لا علاقة له بذلك الاضطهاد ولكن تتم انطلاقاً من احترام حقوق الإنسان والجماعات والأقليات.
هذه الادعاءات بالإضافة إلى الأكاذيب ومنها على سبيل المثال أن الفلسطينيين قد باعوا أرضهم لليهود والتي يرد عليها بأن مجموع ما باعه الفلسطينيون لا يتجاوز 1% من مجمل ما بيع من أرض فلسطين مع الأخذ بعين الاعتبار الأساليب التي أتبعتها الحركة الصهيونية والانتداب البريطاني لدفع بعض الفلسطينيين إلى مثل هذا السلوك، هذا فضلاً عن أنه لو باع الفلسطينيون أجزاء من أرضهم فهذا لا يعطي الحق لليهود بإعلان دولة على هذه الأجزاء ومصادرة الكيان السياسي للشعب الفلسطيني، وهكذا يتضح الخداع الذي مارسته إسرائيل علي الرأي العام العالمي لتشريع احتلالها لأرض فلسطين ولتبرير استخدامها للعنف تحقيقاً لأهدافها التوسعية والاحلالية.
فالصراع لم كن أبداً مجرد نزاع على رقعة أو مساحة من الأرض فحسب وإنما انطوى على أبعاد حضارية ودينية مما جعله صراعاً حضارياً مصيرياً بالنسبة للعديد من الأطراف وليس فقط بالنسبة لليهود والفلسطينيين ونعني بمصيرية الصراع ديمومته لأنه يقوم على أساس نكون أولاً نكون.... إذ يدور بين هويتين الفلسطينية العربية والإسرائيلية الصهيونية، أما حضارية الصراع فأعني أنه إذا سكنت المدافع على جبهات القتال فإن هناك مسالك شتى وقنوات عديدة سوف يسلكها هذا الصراع كالتنافس الاقتصادي والتناصر الديني والصراع النفسي والثقافي والإعلامي وهو صراع معقد نتيجة لكثرة الأطراف المتداخلة فيه محلية وإقليمية ودولية وصراع شامل يمتد إلى مختلف جوانب الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية وهو يمثل حالة حرب راكدة ومما يمكن وضعه ضمن ظاهرة الصراع السافر والمكبوت السافر أي الذي يرتبط بمظاهر سلوكية من قبل أطرافه كأعمال العنف أو التهويد باستخدام القوة وإعلان مطالب بصدد الصراع القائم أما المكبوت فهو الذي يتميز بوجود اختلال واضح في ميزان القوة بين طرفيه لصالح طرف على حساب الطرف الآخر.

عبد الرحمن حسن رياله