لقد مرت جيبوتي على مدى العقد الماضي بمراحل تطور وتحديات اقتصادية وفي كل من ذلك تمكنت جيبوتي بحكمة وحنكة بفضل قائدها من تجاوز هذه التحديات وتحويلها من خلال ما يتم إبداعه من أسس وآليات للتعامل معها وما يترتب عليها من حلول ومعالجات إلى مكاسب وطنية كبرى فالأمن والاستقرار ذاتهما والتحول الديمقراطي والتعددية السياسية إنما هي وإلى حد كبير نتاج لصيغ تفاعل ناجح مع ما مرّ من مطبات كبيرة بل إن ميلاد الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية ذاته قد جاء كصيغة ناجحة لتجاوز واحدة من أهم مراحل إذ تم تحقيقه بإرادة واعية ليصبح هو ذاته أداة التوافق الوطني وبنية المؤسسية وإطاره الناظم وكان بذلك بمثابة طوق النجاة الذي أنقد البلاد من مخاطر جسيمة وبفضل قيادته الحكيمة تمكن من إشاعة روح الوفاق الوطني وتحقيق الديمقراطية والدفاع عنها، وعلى مدى ما يقارب نصف عقد برز الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية باعتباره أكد والمؤسسات السياسية فعالية وتأثيراً في تشكيل وتسيير دفة العمل السياسي في البلاد وأسهم إسهاماً ريادياً في تحقيق أهم الانجازات الوطنية خلال تلك الفترة بما في ذلك تحقيق وبناء الديمقراطية والتعددية الحزبية وتبني نهج الإصلاح الشامل، فالاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية برصيده المتميز من التقاليد والقدرات والخبرات لا يزال يحظى بذات القيادة التي أمدته دائماً بالرؤية والحكمة والعزم ويحظى بقدر لا يقاس من الثقة والدعم في أوساط الشعب باعتباره المؤسسة السياسية الوطنية الأكبر مسئولية والأكثر تأهيلاً وقدرة على تحمل الأعباء القادمة والتحديات وال......... بالوطن إلى الجانب الأمني فاختياره بعهدة ثالثة لفخامة الأخ الرئيس إسماعيل عمر جيله لتكون في التعامل مع تلك التحديات لتمثل شرطاً ضرورياً وعاملاً مساعداً في غاية الأهمية لتحقيق النجاح، وذلك بالنظر لخصوصية واستثنائية التحديات الراهنة سواء من حيث طبيعتها أم من حيث أدوات ووسائل ومناهج ومتطلبات التعامل الناجح معها فمن المعلوم إجمالاً أن جيبوتي لأسباب بعضها طبيعي ولا حيلة فيها وبعضها يعكس معطيات مرحلة النمو التي تمر بها الآن تواجه مجموعة من التحديات التي إذا ما تزامنت وتكاملت فأن أي مواجهة ناجحة لها تتطلب قدرات وأساليب استثنائية بكل المقاييس سواء في الجانب السياسي أم الاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي، ومن أبرز هذه التحديات التناقص الخطير في المخزون المائي وبالذات في مناطق التجمعات الحضرية وتزايد احتياجات المياه للاستخدام الحضري والمعدل القياسي للنمو السكاني والفجوة الغذائية الضخمة التي يعاني منها الاقتصاد الوطني وعدم الانتاج وتدني معدلات الادخار ومستويات التأهيل المهني والغني والقصور الكمي والكيفي في مجال التعليم والبحث العلمي والقصور في أداء الإدارة العامة وسطحية ومحدودية قدرات ودور القطاع المصرفي في رفد عملية التنمية ولعل من أهم التحديات وأكثرها خطورة هو حالة الترهل الخطير في قيم العمل ومعاييره وتشوه معايير وأساليب تحقيق الذات والأنماط والمسلكية والحياتية اليومية للأفراد وذلك تحت وطأة ثقافة القات بالإضافة إلى أوجه قصور مهمة في مجال تصميم وتنفيذ بعض السياسات الاقتصادية وإلى هوة تقنية ومعرفية وتنظيمية واسعة تفصل جيبوتي عن كثير من بلدان العالم المتقدم، والحاجة للمزيد من التطوير لقطاعات البنية الأساسية وبالذات في مجال الطاقة.
ومعنى هذا هو أن على الأخ الرئيس إسماعيل عمر جيله الوقوف الواعي والجاد أمام هذه التحديات في مهمة للمراجعة والمواءمة المتعددة الأبعاد والأغراض والتي يجب أن يتمخض عنها قبل كل شيء تحديد معالم وأولويات الدور الذاتي ومن ثم الاحتياجات المحتملة للتطوير والتأهيل الذاتي أيضاً وذلك في ضوء الطبيعة الخاصة لهذه التحديات بغرض امتلاك أقصى ما يمكن من مقومات الكفاءة والفعالية في قيادة البلاد لأداء هذه المهمة الوطنية الكبرى والتي تتمثل عملياً بتصميم وتفعيل وترشيد وإدامة منظومة كاملة من التحولات متعددة الأبعاد التي من شأنها أن تضع المجتمع في مسار صاعد من التقدم والنمو. وهذه هي مهام قطعت جيبوتي فيها جميعاً تحت قيادته وبدور ريادي شوطاً يعتز به ليس ذلك للتقليل من أهمية هذه التحولات في إنجاح عملية البناء الوطني ومواجهة التحديات المستقبلية ولكن أولاً: لأن انطلاقة هذه التحولات الهامة قد بدأت بالفعل بل قطعت شوطاً مهماً ومتميزاً بالمعايير الإقليمية على الأقل.
إن ما سوف نتعرض إليه هنا هو نماذج أخرى هامة ومكملة من التحولات التي تهدف إلى إعادة تكييف البنى المرجعية الفكرية والثقافية والنفسية وصيغ التفاعل مع قضايا الشأن العام على النمو الذي يعزز مقومات الفعالية والكفاءة الذاتية للاقتصاد الوطني وتطور تنافسيه وجاذبيته إقليمياً يعزز من قدرات ومقومات اندماجه ككيان متنام وفاعل في محيطه الإقليمي على النمو الذي يعزز ويكمل جهود الدولة في مختلف مجالات البناء الاقتصادي والتنموي وهي إجمالاً مهام يمتلك الرئيس ميزة نسبية في الاضطلاع بها، ومن هذه التحولات استنهاض قيم الأداء والالتزام والجدية واستعادة روح المبادرة والمثابرة والطموح لدى الشباب الجيبوتي وفي المجتمع عموماً وذلك في مواجهة ثقافة القات والمعايير المتهاونة والسلبية أحياناً لتحقيق الذات ونيل الاحترام والاعتراف الاجتماعي وذلك نحو استعادة خصائص الفعالية والانضباط واحترام الوقت واحترام الواجب وشرف المهنة إلى سوق العمل الجيبوتي وتعزيز مشاعر الولاء والانتماء المؤسسي لدى المعاملين وتأصيل النجاح المؤسسي كقيمة وتفعيل ثقافة الرقابة الذاتية الجماعية في المؤسسة الإنتاجية وغير الإنتاجية إن عامل الجذب الأهم وربما الوحيد الذي يقدمه السوق الجيبوتي لأي مستثمر محتمل في العديد من المجالات هي العمالة المتوفرة والرخيصة وهي في أغلب الأحوال عمالة غير مؤهلة وغير مدربة وتحتاج إلى استثمارات كبيرة للوصول بها إلى مستوى الكفاءة الذاتية المناسبة والعمالة الفاعلة التي يمكن أن يسعى لها أي مستثمر تتكون ليس فقط من الأفراد العاملين بل من منظومة الخصائص والصفات التي يتمتع بها هؤلاء وتلك التي تطبع وتشكل بنية الممارسات المسلكية وأنماطها الفعلية والتي تؤهل أولاً مجتمعاً معيناً لخوض غمار المنافسة الذاتية على أساس المعايير العالمية التي لابد وأن يواجهها، ومن هذه الخصائص ما يمكن اكتسابه من خلال تعاون صحيح بين الدولة والمؤسسات الإنتاجية والاستثمارية المختلفة مثل التدريب والتأهيل.
وأستطيع القول أن ثمة حاجة حقيقية لبناء هذه الخصائص التي هي من السمات الأساسية للمجتمعات الحديثة ومحدد أساسي لقدراتها وكفاءتها التنافسية على مستوى وفي أي مجال وهذه ليست معطيات جامدة لا يستطيع أحد أن يعمل شيئاً بشأنها بل إنها قضايا التنمية الحقيقية التي يجب أن توليها مؤسسات العمل التربوي والتعبوي جل اهتمامها على أخذ كأولوية وطنية لتفعيل وتوسيع وتسريع مهام البناء والتطوير الجارية فعلاً لغرض تطبيق وتأصيل سيادة القانون العامة والشاملة وضمان تكافؤ الفرص بين جميع أبناء المجتمع في كل مناحي الحياة من خلال تطوير وتحقيق حالة وعي تفصيلي لواجبات مؤسسات المجتمع المدني وواجبات الأفراد لإنجاح هذا المسعى باعتباره مهمة وطنية لا يمكن تحقيقها إلا بتكاثف وتكامل وتعاون مختلف مؤسسات وكيانات وأفراد المجتمع لإخراج مسارات البناء هذه خارج منطقة تكتيكات الصراع السياسي ذات النزوع الانتهازي أو الفهلوي في توظيف هذه القضايا، والخروج بها إلى دائرة التناول المنهجي والعقلاني الشجاع والملتزم والمثابر أكثر من ذلك فإن صيغ الممارسة المحققة لهذه الغاية بما في ذلك المرجعيات الدستورية ذات العلاقة وبالذات فيما يخص حيدة القانون نصوصاً وممارسة وحيدة وفاعلية النظام القضائي ووسائل الضبط المختلفة كل ذلك لابد وأن يأتي منسجماً مع حد مناسب من المعايير الدولية المتعارفة بحيث يعطي الانطباع أن جيبوتي قد وطئت نفسها على إحداث ما يلزم من التحولات والإجراءات لتحقيق هذه الغاية وذلك إذا ما أريد للاستثمارات الأجنبية أن تتدفق ولمقومات وعناصر الاندماج الإقليمي والدولي أن تتعزز وتتنامى وهي شروط جوهرية لمواجهة هذه التحديات.
عبد الرحمن حسن رياله