كان انتخاب الأخ إسماعيل عمر جيله رئيساً للبلاد عام 1999 ميلاد تجربة وقائد رسم ملامح جديدة لمرحلة نفضت غبار الماضي كله بشروق شمس تجربة جديدة تختلف عن حراك المرحلة الماضية التي تعتبر فترة مخاض تمهد لفترة انتقالية عرفتها التجربة وتفاعل معها الجميع شعباً وقيادة وفق الممكن دون إسقاط الطموح الذي رسم معالمه الرئيس إسماعيل عمر جيله بأمل كبير تتفتح فيه الزهور وتتحاور معه الأفكار وتتفاعل الآراء وتتيقن جيبوتي من كونها تمر بمرحلة تتعانق فيها النظرية بالتطبيق في الميدان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني والتربوي في امتداد الوطن كله من أقصاه إلى أقصاه فتجد مسارها يتكامل مع مسار التوترات والمماحكات والمناكفات مغلبة في ذلك الجانب الموضوعي على كافة الحسابات الذاتية التي كانت تشكل جدار عزلة ومرتكز تخندق وميدان التقاطع القبلي متحررة من كافة الهواجس مؤمنة بهدف واحد ولمصير واحد يجد شعب جيبوتي نفسه في صفحة واحدة وتحت علم واحد وإن تعددت فيها الألوان والأطياف السياسية التي تخدم الحاضر الآمن المستقر الناهض المتقدم والمستقبل الواعد والذي بشر به ودعت إليه أفكار وأهداف فخامة الأخ الرئيس خارج الحسابات الضيقة والأنانية التي تقود البلاد وتدفع به إلى التراجع القبلي المخيف، الذي شكل لغزاً غامضاً وكلمة سر مهمة تدفع الباحث للبحث عن المعاني الكبيرة والأدوار التي تحدد مسارات القيادة والقائد وترسم طريق التجربة وهنا يبدأ الحديث عن القائد والوطن والتجربة بكل مفرداتها وبكل أبعادها.
إن تقييم التجربة ينطلق من تقييم القيادة والقائد إذ أن معظم العلماء والباحثين يحاولون الربط بين القائد والقيادة والمنجزات التي تتحقق في ظل هذا أو ذاك من القادة أو هذه أو تلك من القيادات بشكل عام، ففي بعض البلدان يتحدثون عن القيادة الجماعية دون أن يسقطوا عملية التميز التي لابد من وجودها داخل القيادة الجماعية أي أنه مهماً تحدثنا عن قيادة جماعية فإننا لا نستطيع أن نلغي عملية النبوغ في وسط هذه القيادة والتاريخ يثبت أن العبقرية كما يجمع الكثير من علماء الاجتماع وعلم النفس والباحثين في سر غامض من أسرار البشرية والوجود الإنساني دون أن يتمكنوا من تشخيص وتحديد الأسباب التي تعهد لظهور العباقرة أو أحد العباقرة في هذه أو تلك من القيادة فظل الباب مفتوحاً في هذا المجال مع إجماع كل هؤلاء أن العبقرية والنبوغ ليست محددة بالتوارث والانحدار من جذور أو أسر عبقرية أو جذور عرفت بالنبوغ والعبقرية فالقادة الذين عرفهم التاريخ وعرفتهم البشرية لم يكونوا مقيدين بسلالة أو بوضع اجتماعي أو اقتصادي محدد، كما أن العبقرية ليست سمة من سمات أمة محددة أو مقصورة على الرجال حصراً، ففي مصر عرفت بكيلوبترا وفي العراق بسميراميس وفي الأردن بالزباء، كما عرفت في أوروبا بهلين كيلر ومدام كوري وفي تاريخ الأمة بشكل عام عرفت العبقرية في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكان عمر وأبوبكر وخالد وأبو عبيدة وعمر بن العاص وغيرهم ، وعلى أية حال فقد أجمع معظم الباحثين وعلماء النفس والمؤرخين أن العبقري هو الذي يكرس نفسه ومواهبه ونشاطه البدني وطاقاته العقلية لخدمة شعبه وأمته بل والجنس البشري سواء كان رجلاً أو امرأة مفنيا عمره وحياته من أجل تحقيق الرسالة، إن تاريخ العرب مليء بالعباقرة في حقل السياسة والفلسفة والشعر والعلوم، كما تجسدت العبقرية بكل أبعادها بالإسكندر الأكبر وأبراهام لينكومن ونابليون وعقبة بن نافع وجمال عبد الناصر كل هؤلاء كانوا من العباقرة الكبار الذين سجلوا لشعوبهم وأممهم تاريخاً وحققوا لها منجزات سجلها التاريخ وأكدوا بما لا يدع مجالاً للشك بأن العبقرية لا تورث وأن الغني لا يساعد على إبراز العبقرية وإظهارها، كما أن الفقر هو الآخر لا يعمل على طمسها بل ربما كان الفقر والمعاناة وشظف العيش والتحديات المحيطة بهذا أو ذاك من أهم أسباب ظهور العبقرية لذي النفوس القوية والإرادة الصلبة فقد يوجد في هذه أو تلك من الأسر سواء كانت غنية أم فقيرة فرد متوازن يستطيع أن يلعب دوراً إيجابياً في حياة من توجد لديه الفطنة والاستعداد والنبوغ والعبقرية التي تشكل عاملاً من العوامل المهمة في النبوغ والحركة والذكاء والقدرة على البروز وتصدر المسئولية بغض النظر عن المحيط والتعقيدات المحيطة فابراهام لينكولن كان أبوه أمياً وماتت أمه وهو في التاسعة من عمره وهو الذي وصف الرق بأنه خطل في السياسية وخطأ في الدستور وظلم في الإنسانية والاستمرار في الخطأ لا يجعله صواباً وقد جعلت منه هذه المواقف أعظم شخصية أنجبتها أمريكا، كما كان موقفه أيضاً في المواجهة والتصدي للظلم والاستغلال والدفاع عن الفقراء والمحتاجين منارة تنير الطريق للأجيال القادمة إذاً العبقرية ليست موروثة بل هي موهبة، فبروز القائد كقائد في مثل هذه الحالات لا يمكن أن يكون بروزاً مفتعلاً بل من خلال تكامل شخصيته ومواقفه وسلوكه مع مصالح الوطن ومن خلال ارتباطه برسالة يؤديها لشعبه وأمته.
لقد كان انتخاب الأخ الرئيس إسماعيل عمر جيله حقاً بداية مرحلة انتقل فيها الشعب الجيبوتي من مرحلة المخاض التي قلنا إنها كانت مرحلة الدفاع عن الحياة ضد المعاناة والتراكمات والتعقيدات الاقتصادية والاجتماعية، جاءت هذه المرحلة لتضع أسساً جديدة تتجاوز كافة التراكمات التي عرفتها الساحة الجيبوتية من انعدام الأمن والاستقرار وتوقف البناء والتنمية إلى الاجتماع على القائد المتميز والموهوب الذي تمكن أن يكون عند حسن ظن الذين أجمعوا عليه والذين وجدوا فيه أمل إخراج جيبوتي من المأزق لما عرفوا فيه من تمسكه بتطور الوطن ورفض الجمود والمحاسسة القبلية، كما تميز بصفات الصبر والشجاعة والمرونة والحكمة والعدل ورفضه للظم والغطرسة وميله للتواضع والرحمة والكرم، وهنا نستطيع القول أن أهداف الأخ الرئيس وطموحات كل الجيبوتيين الذين حلموا بجيبوتي جديدة تتلخص فيما يلي:
- الحفاظ على وحدة الأمة وتجديد روحها الحقيقية.
- المضي قدماً في برنامج التنمية والتغيير.
- مواصلة مسيرة التنمية الشاملة في إطار من الحرية والديمقراطية.
- رعاية ودعم حركة التعاون وصولاً إلى بناء دولة النظام والقانون.
- التسامح والحوار مع كل أبناء الوطن باختلاف مشاربهم الفكرية والحزبية من خلال اليد النظيفة الممدودة إليهم.
- العمل من أجل تحقيق وحدة الشعب في جميع مكوناته مهما كانت التضحيات.
- المساواة والعدالة الاجتماعية الممكنة لكل أبناء الوطن.
- تطوير وتقوية مؤسسات الدفاع والأمن والدفاع عن حقوق ومكتسبات الشعب بأي ثمن وحماية الأمن والاستقرار والدفاع عن سيادة الوطن واستقلاله.
- تطوير العلاقات الخارجية مع كل الأطراف إقليمياً وقومياً ودولياً على قاعدة المصالح المشتركة المتوازنة وحماية الوطن من الوقوع بيد الأعداء أياً كانت شعاراتهم وأساليبهم وهنا لا يستطيع أي باحث أو عالم اجتماعي أو متخصص في حقل السياسة والقانون إلا أن يقول أن عبقرية الأخ الرئيس إسماعيل عمر جيله مكنته من إدارة العملية السياسية بفن قيادي بارع جمع بين النظرية والتطبيق والوعي التاريخي مؤسساً لمرحلة انفتاح تتكامل فيه كل الآراء وتتفاعل المواقف عبر الحوار السلمي الديمقراطي الذي تتحقق من خلاله مصلحة الوطن العليا ليتعزز الأمن والاستقرار ويتحقق منهج التنمية، كما كانت باكورة التميز القيادي وعبقرية القائد الشجاع في الميدان متمثلة في مواجهة كافة السلبيات واحتواء مواقف التوتر بحكمة وصبر لمنع الدخول في حرب (مع إرتريا) تأكل الأخضر واليابس، إذ تمكن وفق هذه السياسة من محاصرة الاحتكاك المسلح وهاجمه بحركة سياسية ذكية ذات بعد قومي وإقليمي ليحقن الدماء، وهنا أجمع كل المهتمين بشأن جيبوتي على أن حكمة الأخ الرئيس إسماعيل عمر جيله وشجاعته جعلت من الحوار قاعدة أساسية لحل كافة المشاكل والخلافات السياسية داخل الساحة الجيبوتية وخارجها قاعدة للأمن والاستقرار والتماسك الوطني السياسي والاجتماعي مؤكداً في مقولته: "إنني كشخص أؤمن بأن الحوار هو الأسلوب الأمثل لحل الخلافات وحسم النزاعات وحوارنا يشمل الجميع" لقد كان طموح الأخ الرئيس يتجلى بوضوح كامل في سياسة احتواء الخلافات واعتبار"(الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية) مرجعية فكرية وطنية تتوحد مختلف القوى حول ثوابته وقواسمه المشتركة فأعلن:أن الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية هو فكر وطني متكامل، وهنا تبلورت أكثر مرونة الأخ الرئيس وتواضعه وتجلت حنكته وقدرته على التعامل مع المتغيرات في إطار التوازن في تعامله مع الأحزاب والقوى السياسية معتمداً على قاعدة التسامح التي رسخت ثقافة العفو والتجاوز دون التفريط بالثوابت الوطنية والقومية.
عبد الرحمن حسن رياله