إن كيان الأسرة الذي تتشكل منه قاعدة هرم المجتمعات يضع حجر الأساس لأي مخططات وبرامج تستهدف تحقيق التنمية الاجتماعية وتلبي تطلعات كيان الأمة الذي ينتمي إليه، ولذلك تشارك الأسرة مع الحكومات في رسم السياسات التي تضمن لأفرادها تنمية قدراتهم من أجل تذليل الصعوبات وتجاوز التحديات التي قد تقف في طريقهم نحو مستقبل يستجيب لتحقيق طموحاتهم ويشهد على تحسين أوضاعهم وتلبية حاجات مجتمعهم الاقتصادية والتنموية، وقبل بذر نواة الأسرة يتم استصلاح الأرض وتهيئة بيئة منزلية مناسبة لإنجاب وإعداد أجيال المستقبل التي ستحمل لواء الوطن وتواصل مسيرة التنمية في البلاد، وفي ظل الحياة المعاصرة تغيرت طبيعة وأهداف تربية الأولاد وتكثر العراقيل في سبيلهم لتحقيق النجاح في حياتهم العلمية والعملية، ويتطلب ذلك النجاح من أولياء الأمور بذل جهود جبارة تفرض عليهم تسديد فواتير مكلفة تقع على كاهل أجسادهم وجيوبهم، فلم تعد مسألة تربية الأبناء مسئولية عائلية فقط، وإنما أصبحت قضية ذات طابع اقتصادي تدخل في طريقها إلى الأسواق المالية حيث باتت تستحوذ النصيب الأكبر من ميزانية الأسرة التي قد تترنح بسبب الأعباء الملقاة على عاتقها تجاه تلك القضية، وعندما تؤتي أكلها تجلب انتعاشاً اقتصادياً سينعكس إيجاباً على الظروف المعيشية للأسرة، ولهذا يعتبر كثير من الناس هذه القضية شكل من أشكال الاستثمار يتعلق بقطاع الموارد البشرية فمنذ اليوم الأول الذي يرى فيه النور فلذات أكبادنا نخصص لمشروع تنشئتهم جزءً غير يسير من ميزانياتنا للتتم رعايتهم في ظروف مواتية تُسهل لهم نهج طريق الحياة بكل ثقة واقتدار، وتزداد المبالغ المرصودة لإنجاح هذا المشروع كلما مرت عليه مراحل تحدد مصير الأولاد المعرفي والمهني، ومع الشعور بالتعب الذي يرتسم على وجوه القائمين بهذا المشروع يرافقه إحساس آخر يتميز بالمتعة والرضى من النتائج التي تمخضت عنه والماثلة أمام أعينه، وبطبيعة الحال لا تقتصر أوجه رعاية ذالك المشروع بالجانب المادي، فما يتعلق بالجانب المعنوي الذي يوفر له القوة المعنوية اللازمة لزيادة ونمو قدرته الإنتاجية لا تقل عنه شأناً بل تتوقف عليها كثير من عوامل النجاح، التي يقوم بها أصحاب هذا المشروع، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى فكرية ومعرفية وإدارية تتيح لهم فرصة مواتية لوضع معارفهم وخبراتهم في خدمة الشعب بشكل عام والشباب الذين يركبون موجاً عالياً ويحتاجون إلى من يقوم بتنويرهم وتربيتهم وتلقينهم أفكاراً بناءة وتنشئتهم على النبل والمثل العليا على وجه الخصوص، ومحاربة الفراغ بنشر المعرفة واستثارة الهمم وتفجير الطاقات للحيلولة دون أي آفات ضارة بهذا المشروع ومنها الفراغ القاتل والمخدرات عبر تعميم المعرفة والتأهيل وتعزيز التفاهم والسلم المدني والتماسك الاجتماعي ولا يتبنى رعاية مشروع الاستثمار في الموارد البشرية أرباب البيوت، بل تعتبر الحكومة من أهم الأطراف الداعمة له، من خلال اعتماد سياسات تتماشى مع اهتمام الحكومة الجيبوتية بتطوير وتحسين الأوضاع لدى السكان وتكفل بالنمو والتطور الاجتماعي والتنموي وتحدد أولويات لتحقيق ذلك وتتركز حول القطاعات ذات الأولية للسكان "التعليم، الصحة، العمل، الضمان الاجتماعي، المياه، الطاقة، الإسكان".
ففي مجال الإنجاب وصحة الأطفال تحققت كثير من الإنجازات تضمن الحفاظ على صحة الأمومة والطفولة كتوفير رعاية طبية للأم الحامل ومحاربة الأمراض التي تصيب الأطفال والقضاء على مشكلة سوء التغذية عبر توفير الغذاء اللازمة للأطفال المصابين بها، وقد تم إحراز تقدم كبير في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بهذا الخصوص، حيث جرى حماية حقوق الطفل وضمان رفاهيته والتركيز على خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي يستفيد منها الأطفال، وتوفير التعليم لجميع الأطفال الذين يشكلون قاعدة عريضة من السكان، ولتواكب الحكومة حاجة أعداد السكان المتزايدة وخاصة الفئة الشبابية تقوم الحكومة بجهود من أجل التغيير وتحسين الأوضاع ومكافحة الفقر وتنمية المجتمع وتحقيق طموحات وتطلعات الجيبوتيين عبر الاستثمار في الموارد البشرية وتحديث أجهزة الدولة وتفعيل أداءها وزيادة النمو في القدرة الإنتاجية للبلاد وتطوير مقدراتها لتوظيف الشباب واستيعابهم في سوق العمل من خلال خلق فرص عمل وبناء قدرات الشباب لتكون عندهم مهارات متخصصة تساعدهم في الحصول على الوظائف وتعمل الحكومة على تعزيز الموازنة العامة وخفض العجز فيها وتطوير الاقتصاد الكلي وحشد جميع الموارد للاستثمار في الموارد البشرية.
ولاشك أنه عندما تسخر موازنات الدولة والأسرة لصالح هذا الأمر، ستتمخض عنه تحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
عبد السلام علي أدم