لقد تحول المعلم في عصرنا الحالي إلى موظف يؤدي مهنة تسمى مهنة التدريس، بعد أن جردها من جوهرها النبيل الذي يحمل رسالة عظيمة وحولها إلى وظيفة يذهب إليها في ضجر وضيق كأنه يحمل حملا ثقيلا، وأصبح يلهث وراء جني الأموال بمعنى كم يساوى ما أقدمه من مقابل مادي.
وأصبحت الجامعات والكليات لا تهتم بتخريج منتج يحمل فكراً أو ثقافة أو يسعى لاكتساب المعارف، بل أصبحت أماكن تأهيل للموظف الذي يتخرج ليسعى جاهداً للحصول على وظيفة يكتسب منها المال كما هو راسخ في ذهنه ومعتقده الذي اكتسبه داخل تلك الجامعات ، وأصبحت الشهادات الجامعية لا تقيس أي مستوى فكرى أو ثقافي أو معرفي، وإنما هي شهادة تأهيل للوظائف التي تناسب أو لا تناسب من يحصل عليها ثم تعلق بعد ذلك على الحائط كأي شهادة نحصل عليها في مسابقة أو بطولة من البطولات.
ويرجع ذلك كله إلى عصر العولمة والكثير من الظروف العالمية والمحلية والمفاهيم الهدامة والمناخ الفاسد الذي يسود مجتمعاتنا والاهتمام بالكيفية لا الكفاءة ، يبرز فيها الأشخاص القادرين على كسب الأموال مهما كان مستواهم الثقافي أو الفكري، وضاعت معها الكفاءات القادرة على بناء الحضارات ، أصبحنا نخرج موظف مادي لا إنسان يفكر وينهض بمستقبل مجتمعه، وهذا بدوره قد انعكس على المعلم الذي يبنى فكر وثقافة أبنائنا.
فبعد أن كان المعلم هو المثقف والمفكر والمرجع لكل من حوله على مستوى القرية والمدينة والدولة، وبعد أن كان مصدراً هاما للمعرفة والعالم بكل أمور الدنيا ، أصبح لا قيمة له ولا وزن وتجرد من كل احترام وثقة بل وصل الحد أنه أصبح موضوعاً للنكت والفكاهات.
هذه النظرة الدونية للمعلم لابد من العمل على تغييرها حتي يعود للمعلم كيانه ووجوده ودوره الريادي، ولا يكون ذلك إلا باهتمام الحكومات والدول بالمعلم ماديا وفكريا وثقافيا، وتوفير مناخ تربوي وإنساني ملائم للجامعات والمعاهد التي تعد المعلم لحمل رسالته، وتوفير كل الأدوات والمصادر والإمكانيات التي تساعد المعلم في تفعيل دوره العلمي والتربوي، لتعود مهنة التدريس كما كانت أفضل المهن واسماها وتجذب إليها كل العقول المفكرة والساعية نحو المعرفة.
ويجب على المعلم العمل على تطوير ذاته ودوره، حتي يتحول من موظف إلي معلم، وأن يسعى لاكتشاف الطاقات والمواهب لدى طلابه وتنميتها وإعدادهم الإعداد الجيد فكريا وثقافيا والنظر إليهم على أنهم رجال المستقبل وأن يعدهم لبناء مجتمعهم والنهوض به بما يحملون من معرفة كان المعلم من أهم مصادرها.
وفي النهاية يجب أن يكون هناك تصحيح لأوضاع المعلم والانتقال به من الموظف إلى المعلم وإلا سيظل التعليم والمعلم والمتعلم دون المستوى وسيكون هناك شلل فكري يجعلنا دائماً في ذيل الأمم ويزيد من تخلفنا الثقافي والفكري والمعرفي.
فيصل مختار
Minnesota, USA