من الطبيعي في ظل التعددية السياسية أن نجد تبايناً في بعض الأفكار والرؤى ووجهات النظر بين ألوان الطيف السياسي باعتبار أن الديمقراطية رأي ورأي آخر وتنافس شريف في البرامج الانتخابية من أجل الحصول على ثقة الناخبين عبر صناديق الاقتراع لكن من غير الطبيعي أن يؤدي الاختلاف والتباين بالبعض إلى محاولة فرض قناعاتهم وتوجيهاتهم ومواقفهم على الآخر بل وعلى فئة من الشعب كما هو الحال لدى قيادات أحزاب (المعارضة) التي جنحت - مع الأسف الشديد - إلى أن الخطاب التشنج وغير العقلاني الذي اعتمد على تشويه صورة المواقف السياسية وتصعيد المكايدات وممارسة مختلف أشكال الابتزاز وهذا الأسلوب أصبح مملاً بعد أن سئمه أبناء الشعب الجيبوتي الذين مازالوا يأملون من هذه القيادات الحزبية ألا تتحول إلى أدوات تعميم ثقافة التنافر وتكريس مبدأ من لم يكن معي فهو ضدي وتلغيم الحياة السياسية بهذا المنطق الذي لا ينم سوى عن رعونة شديدة لتتصادم كلياً مع أسس وقواعد النهج الديمقراطي ومسارات العمل السياسي والحزبي السوي الذي لا مجال فيه للخصومة الصرفة والحدية المفرطة في الذاتية حيث أنه ومهما اختلف ألوان الطيف السياسي في قناعاتها ورؤاها فإنها تظل تلتقي في العديد من المبادئ والقواسم والغايات المشتركة وفي مقدمتها مصلحة الوطن وجعلها فوق كل المصالح لكون ذلك هو محور المنافسة وليس غيره.
ونعتقد نحن الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية أن الأحزاب الثلاثة الأخرى معنية كغيرها بتمثل هذه الحقيقة التي تؤكد على الديمقراطية والحرية لا يمكن لها أن تستقيم وتنتظم كفكر وممارسة داخل هذه الأحزاب وخارجها إلا بجعل مصلحة جيبوتي أولاً وتطبيق ذلك قولاً وعملاً.
وعلى هذا الصعيد لا نجد منفعة أو مكسباً يمكن أن تحققه تلك الأحزاب (المعارضة) من وراء إعادة في فرصة إعادة نفس خطابها المتشنج والمخرب وخاصة بعد أن أثبت هذا الخطاب فشله وعدم جدواه في إقناع الناخبين بصوابية مواقفهم. وتخطئ هذه الأحزاب الثلاثة إذا ما اعتقدت أنها بهذا التوجه ستتمكن من تعطيل الاستحقاق الديمقراطي والدستوري المقبل بالانتخابات الرئاسية أو تثني الناخبين عن التمسك بهذا الحق أو إضعاف حماسهم للمشاركة الفاعلة في هذا الاستحقاق واختيار ممثلهم في الرئاسة القادمة خاصة وأن قيادات هذه الأحزاب تعلم علم اليقين أن ذلك الخطاب المشحون بأساليب التضليل والخداع لم يزدها إلا انزواء وابتعاداً عن الجماهير إلا اللصوص والمخربين والجهلاء والخائبين والدليل على ذلك أنها في كل دورة انتخابية تتراجع إلى الخلف على الرغم من كل التنازلات التي ظل يقدمها الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية من أجل انتشال هذه المعارضة من واقع الانتكاسات المتلاحقة بين طرفي المعادلة السياسية، ومن المفارقة العجيبة والمدهشة أن الأحزاب الثلاثة لم تتمكن حتى اليوم من فهم المغزى العميق لانفتاح فخامة الأخ الرئيس إسماعيل عمر جيله، على المعارضة.
بل إنها لم تستوعب بشكل خلاق عباراته المتكررة ودعوته إياها إلى الحوار المسئول لمناقشة كافة القضايا التي تهم الوطن والتوافق حول ما يمكن التوافق عليه وترك ما يمكن أن يكون اليوم مصدر خلاف للتحاور حوله في الغد والوصول إلى اتفاق بشأنه ولو أنهم فهموا هذا المغزى لأدركوا أن فخامة الأخ إسماعيل عمر جيله حريص كل الحرص على الارتقاء بالعمل السياسي وتطوير النهج الديمقراطي وضع تجربة ديمقراطية وطنية - متميزة تنأى بالقوى السياسية عن التجاذبات العقيمة والمكايدات والخلافات الهامشية.
هذا ويتضح في حديثهم عن الشعب أنهم أبعد الناخبين عنه وعن متطلباتهم وتطلعاتهم في الحياة الحرة الكريمة وقد أثبتت التجارب الماضية أن هؤلاء في كل ممارساتهم وسلوكهم السياسي لم يأت له منهم أي خير أبداً وهذا واضح أيضاً وجلي في مواقفهم وأفعالهم من كل القضايا الوطنية التي كانوا باستمرار يقدمون مصالحهم الحزبية والأنانية عليها متخذين في المسار المضاد للشعب ومصالحة فهم مع التمرد والتخريب يدافعون ويؤمون فئة من مجرمين وحاملي ثقافة القبلية والكراهية في مواجهة المكتسبات والسلب والنهب ممتلكات الشعب والنهج الديمقراطي وترسيخ دولة النظام والقانون والمؤسسية الحديثة.
وهكذا لم تكن هبة الشعب ولن تكون مع خيارات هؤلاء بل مع من أثبت ويثبت أنه المعبر الحقيقي عن مصالحة وتؤكد ذلك في الانتخابات الرئاسية القادمة التي تتجه إليها بهبة أكبر من سابقاتها وهم يعرفون جيداً ذلك ولهذا يحاولون استباقها بهبة "دنكشوتيه" في اللعب بالنار وبتخريب ممتلكات الشعب التي تثير السخرية والاشمئزاز في آن معاً لا تخرج عن مسار زوابعهم التي ظلوا يثيرونها دوماً عليهم يؤثرون ويعرقلون هبة الشعب صوب ممارسة حقه الدستوري في اختيار رئيس الجمهورية عبر صناديق الاقتراع منتصراً بذلك لإرادته التي تعكس انتخابات تنافسية شفافة حرة ونزيهة سيتم إجراؤها على مرأى ومسمع الجميع وفي ظل وجود رقابة محلية ودولية سوف تكون شاهداً عليها.
وبهذا لن يكون الخطاب الديماغوبي بديلاً للديمقراطية وإرادة الشعب الذي لن تثنيه الشعارات الفضفاضة الجوفاء والتخريب واللصوصية عن المضي قدماً صوب إنجاز استحقاقه الديمقراطي الدستوري الذي هو حق له وحده لأنه صاحب الحق الأول والأخير في منح المشروعية لمن يحكمه من خلال ممارسة حقوقه الدستورية وانتخاب من يمثله في الرئاسة القادمة وسيكون الشعب بالمرصاد لكل من لا يمكن التفريط به مطلقاً وستكون هبته الحقيقية باتجاه صناديق الاقتراع وهذا هو الطريق لوحدته الوطنية القائمة على قاعدة راسخة من الأمن والاستقرار والتنمية والبناء ولن يسمح لأي كان بالانقلاب على مؤسساته الدستورية المنتخبة وعلى أولئك المخربين واللصوص على الديمقراطية أن يعوا أن لا طائل مما يقومون به وأن المعبد الذي يريدون هدمه على رؤوس الجميع سيسقط على رؤوسهم وحدهم أما الشعب الجيبوتي الأبي فقد حسم خياره وستجري الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد وأي خيار خارج هذا السياق ساقط ولا مستقبل لجاهليه، ونحن هنا في غنى عن الحديث عن كل الصفات التي تميز بها الطرح القيادي لكافة المواضيع والرؤى والهموم والتطلعات وبذات الروح العالية الملتمسة بالثقة الغالية بالنفس والتفاؤل وعمق الارتباط بالشعب والثقة به والاستجابة لإملاء إرادته وتحقيق طموحاته، كما تعبر عنها بجلاء شواهد الانجازات، وفي الواقع العملي الملموس في كافة الحقول والميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدمية والمشاريع الإستراتيجية التي تتشكل منها حجج وبراهين الوفاء بالوعود والالتزام بالعهود وهي حافلة بالعبر والدروس والبشارات العظيمة التي بجب أن يتعاط بها الواهمون وأن يدركوا بصورة لا لبس فيها ولا تأويل بأن المسيرة الوطنية الخيرة والمسيرة الديمقراطية المباركة التي انطلقت يوم أن انتخب الشعب فخامة الأخ إسماعيل عمر جيله رئيساً للبلاد لن تتوفق ولن تنحرف أو تتعذر، وبأن شعبنا الأبي الوفي وبكل قواه الوطنية الخيرة سيظل مع من اختاره كقائد لمسيرته ينذر كل قدراته وتطلعاته المتاحة في مواصلة البناء وتعزيز التقدم نحو المستقبل الأفضل، وأن العملية الديمقراطية بكامل تفاصيلها هي التي تجعل من الواهمين على فرض وجودها وأن تكون منهجاً وفكراً وممارسة ومسئولية وطنية حلقات متفاعلة في نبض حركة المجتمع الديمقراطي الجيبوتي الجديد ولبنات في حركة قوته الفاعلة وهنا سؤال يفرض نفسه وهو: متى تستعيد الأحزاب الثلاثة (المعارضة) رشدها وتستوعب أن الديمقراطية ليست باباً مخلوعاً لا تحكمه ضوابط أو حدود أو خطوط حمراء، وأن الديمقراطية وسيلة للبناء والانجاز والنهوض بالوطن وكما يقال فإن سلامة العقل والمواطنة فوائد للإنسان.
عبد الرحمن حسن رياله