عندما نتحدث عن الحوار في شخصية الرئيس إسماعيل عمر جيله فإنا نتحدث عن مكون أساسي من مكونات شخصية يكاد يكون الحوار أحد أبرز معالمها الأساسية وكلنا يعرف الرئيس وعايشنا مرحلته وأنها فعلاً مرحلة الحوار بامتياز في كل مراحل العقد المنصرم لذلك أود أن أستشهد ببعض الأمور أو الأوضاع قبل وصول الرئيس إلى سدة الحكم سنجد على سبيل المثال أن الحوار في الفترة ما بين 1977 - 1999م لم يكن إلا شيئاً نادراً الذي جرى خلال هذه الفترة ربما هي حالة الحوار الوحيدة التي حدثت في أبعا في حوار المصالحة الوطنية لكننا طوال هذه المرحلة لا نستطيع أن نقف أمام محطات رئيسية للحوار، ولاشك أن غياب حالة الحوار كان لها تأثير بشكل غير مباشر في ترسيخ ثقافة الفرقة والعنف، فكلنا يعرف عندما وصل الرئيس إسماعيل عمر جيله في 8 أبريل 1999م للحكم كانت كثير من مكونات الشعب تشتعل بحزازات قبلية ضارة في المجتمع الجيبوتي تسانده مرحلة الانكماش الاقتصادي لهذا فأنني أتصور أن رؤية الأخ إسماعيل عمر جيله للحوار تشكلت بحكم نظرته النقية وذكائه وبديهيته وخبرته ، فالرجل وبلا شك كان مشاركاً في كثير من الأحداث التي حصلت فشارك في حرب تحرير الوطن، ثم كان تدرجه في المناصب القيادية وخلال هذه الفترة كان يقترب بشكل أو آخر من الصفوف التي كانت في سدة الحكم، فأصبح شريكاً في إدارة شئون الحكم بشكل أو بآخر، وكان خلال هذه الفترة يتأمل كثيراً في مجريات الأحداث وكان يدرك أيضاً الثغرات التي تسببت في حالة التوتر والشتات التي كانت موجودة في الساحة الوطنية آنذاك، لهذا تكونت لديه رؤية لمخاطر وسلبيات غياب ثقافة الحوار، وعندما تم انتخاب الرئيس الأخ إسماعيل عمر جيله في 8 أبريل 1999م أصبح موضوع الحوار أساسياً بالنسبة له وخصوصاً عند مكونات الشعب الجيبوتي بسبب المحاسسة القبلية فكانت هي المدخل إلى حوار عميق ومعمق انتهى بقبول تكتلات الأحزاب، وفي تصوري أن الأخ الرئيس إسماعيل عمر جيله بنى رؤيته لمسألة الحوار على ثلاث قضايا أساسية وجدنا أنه لم يتخل عنها أو يفرط فيها، فالحوار عنده لا يعني أن يكون هناك تفريط في الثوابت فهو لم يفرط بأي ثابت من الثوابت الوطنية طيلة فترة حكمه التي اتسمت بالحوار منذ وصوله إلى الحكم حتى هذه اللحظة.
الشيء الآخر أن السمة المنهجية في الحوار هي عملية تغليب المصالح الوطنية العليا على أية مصلحة أخرى سواء أكانت شخصية أم حزبية، المهم أنه إذا كان الحوار سيؤدي إلى غلبة المصلحة العليا فلا تفريط فيها، كان لديه من المرونة ولا يزال ما يجعله أن يستعد لتقديم أي تنازل في الحوار إذا كان هذا التنازل للمصلحة الوطنية العليا والمصلحة تنعكس إيجاباً على جميع أبناء الشعب الجيبوتي لذلك بمجرد انتهاءه من هذه المرحلة دخل الأخ الرئيس في خلق تجمعات مدنية وتوعية الشعب لكن الحوار في تلك الفترة لم ينقطع أبداً إما بشكل مباشر أو عبر الوساطة وبه تشكلت قنوات الحوار وكانت لنها فاعلية منظمة لعملية الحوار التي استمرت حتى اللحظة ومن خلال قنوات الحوار تلك انبثق توافق الآراء الذي كان رؤية ناتجة عن الحوار رؤية فكرية وسياسية معمقة لإدارة شئون الحكم ومن معالم قدرة الأخ الرئيس إسماعيل عمر جيله على الحوار هو التعامل الواقعي مع الأحزاب السياسية رغم أنها كانت مختلفة الآراء والرؤية ولكنه كان يدرك ذلك فأدار الحوار بشكل رائع خلال تلك الفترة ومن ضمن النتائج التي أسفرت عن تلك الحوارات التي كانت تجري تحت السطح على سبيل المثال هي التوافق وإعادة التكتل ولم يكن يمر موسم أو ظرف سياسي إلا وكان يجري فيه حوار كبير بين مكونات الشعب والفئات السياسية، فالحوار لم ينقطع حتى هذه اللحظة التي نعيش فيها جميعاً، ومن رحم هذا الحوار نشأ مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستعد أنظمته من روح الإسلام الحنيف عطاء التجربة البشرية المتمثلة في التعددية السياسية والحزبية والإيمان بالتداول السلمي للسلطة الحقيقية التي لم تكن تتحقق لولا العمل القيادي الدؤوب من أجل تذليل الصعوبات أمام التوافق حتى أخذت تعطي ثمارها واحدة إثر الأخرى بداية من الإتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية وانتهاء برؤى المجتمع المدني الجيبوتي التي أنجزت أعمالها عشية المخاض الخلاق لبزوغ فجر دولة المعاصرة المباركة والتي ابتدأ معها فخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله تاريخاً مترابطاً مع الانجازات فقد كان إنجاز نصرة الشعب لبنة هامة وجوهرية في اتجاه تحقيق الالتزام بمبدأ الديمقراطية المتكاملة في أرقى صورها الحضارية كنسيج عصري واحد ليعكس توجه فخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله نحو المزيد من تكريس الشرعية الدستورية حيث اقترن وتلاحم إنجاز نصرة الشعب الجيبوتي بتحصينها وبقيام التعددية السياسية والحزبية والالتزام بمبدأ التداول السلمي علي السلطة وقد ارتبط كل ذلك الالتزام باحترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم واستثمار دور بلادنا وعلاقاتها الثنائية والإقليمية وعلاقاتها بالمنظمات الإقليمية والدولية في الإطار النابع من طموحات الأمة وبالدول قاطبة في هذا الاتجاه السياسي والخارجي الهام والذي ظل جزءاً لا يتجزأ من نهج السياسة الداخلية ومتأثرة بها ومؤثراً فيها فالنهج القيادي للأخ إسماعيل عمر جيله هو نهج متكامل يقوم على إدراكه العميق ارتباط خدمة إنجازات تحقيق الأهداف في مجالاتها المتعددة لبعضها البعض وفي الاتجاه المصيري والحضاري الواحد وإنها كلها تصب في خدمة مقصد واحد وهو رعاية وتحقيق المصلحة العليا للشعب وهي في ذلك كله إنما تسير على الأساس الذي نهج به الحوار.
والنقطة الأخيرة كشاهد من شواهد الحوار المتألق والبارع الذي أوصل جيبوتي إلى بر الأمان هو الحوار مع جميع الأحزاب ومكونات المجتمع الجيبوتي، وكان هذا كله يدل على كفاءته وحنكته وقدرته وتغليبه المصالح الوطنية العليا.
عبد الرحمن حسن رياله