إن لكل بداية نهاية ولكل قوة ضعفاً ولكل حياة موتاً
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب *** متى حُط ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمل آمالاً ونرجوا نتاجها *** وباب الردى مما نؤمل أقرب
لقد أنتقل إلي رحمة الله السلطان على مرح حنفري الذي عاش من عمر ناهز التسعين عاما من عمره ووفاته المنية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بعد عمر امتدا لأكثر من تسعين عاما كانت حافلة بانجازات عظيمة في كل الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الدعوية وقد هز هذا الخبر المحزن جميع الأمة العفرية في جميع أنحاء العالم وحيث ما تواجدوا في أرض الغربة أو في إثيوبيا وإرتريا وجيبوتي وجميع من يعرفون السلطان من شعوب القرن الافريقي والعالم العربي والاسلامي
وقد شهدت مراسم الدفن و التعازي مشاركة رسمية وشعبية واسعة وغير مسبوقة علي المستوي المحلي والاقليمي وحيث أنتقل جثمانه بالطائرة من أديس أبابا إلي أيسعيتا مقر سلطنته وشارك في مراسيم الدفن كبار المسئولين في الحكومة الجيبوتية الإثيوبية يتقدمهم رئيس وزراء جيبوتي دليتا محمد دليتا على رأس وفد جيبوتي كبير ضم نحو سبعة من الوزراء في الحكومة وسلطان تاجورا ، حشود كبيرة تقاطرت من شتي البقاع
كما نعي رسميا رئيس الوزراء الإثيوبي مليس زيناوي وعدد مآثر الراحل مرح
وقال أنه كان رسول السلام وابلا بلا حسن في تحقيق التغيير الذي تعيشه إثيوبيا ووصفه بأحد حكما إثيوبيا وأعرب عن تقديره للراحل وأنه جهوده ستظل راسخة في أذهان الشعب الإثيوبي
و كان السلطان رحمة الله عليه يعرف بحفظه لكتاب الله وقربه منه وكان كريما لكل من قصده وحليما في جميع الآحوال في الشدة والرخاء وتاريخه ناصع ومحفول بكل الإنجازات وتجربته كانت في الحياة كانت ملئية وشاملة
ولاشك أن رحيل مثل هذه الشخصية تترك أثر كبير وفراغا جما في ساحته الوطنية والاقليمية
فالسلطان علي مرح حنفري سلطان ( أوسا ) يعتبرشخصيىة بارزة ليس في إطار سلطنته وحسب بل في منطقة القرن الإفريقي . ورغم مايمثله من زعامة دينية لدى العفر في جيبوتي وإرتريا وأثيوبيا إلا أنه وفي الوقت ذاته ظل يتمتع بهذه الزعامة الروحية لدى قطاع واسع من مسلمي أثيوبيا . كما أن السلطان علي مرح حنفري عرف بالحكمة والحنكة السياسية الأمر الذي مكنه من المحافظة على الاستقلال الداخلي لسلطنته نتيجة لحنكته وبراعته حيث لم يمكن الإمبراطور هيلاسيلاسى من ابتلاعها مثل باقي السلطنات الأخرى التي كانت قائمة وأزالها الإمبراطور من الوجود .
ومن جلائل أعماله أنه أهتم بالتعليم حيث كان يرسل بالطلاب إلى الخارج محاولا إزالة الجهل المخيم على أبنائه منطلقا من رؤية واضحة بأن الجهل هو سبب كل بلاء وإن المستقبل هو للعلم والمتعلمين . وبالأضافة للتعليم فإن السلطان علي مرح كان يلعب بجدارة دور المصلح الاجتماعي في حالات كثيرة وأبرزها فض المنازعات ـ أن حدثت بين المجموعات السكانية ـ ولم يكن يسمح للتناقضات الثانوية الصغيرة أن تنفجر . وفي كل مكان في العالم معروفة بنفورها من المدارس والتعليم فإن السلطان علي مرح كان يقدم المغريات حتى المالية منها لآباء الطلاب الذين يأخذهم إلى الخارج من أجل التعليم ، كان هذا رأيه حتي وافته المنية
وتميز عصر السلطان علي مرح بالانفتاح و التطوير في كل مرافق السلطنة في حدود ما توفرت له من موارد. فعلى الصعيد السياسي استطاع السلطان بحنكته أن يرسي دعائم الاستقرار و السلام وعاش مع شعبه في سلام ووئام يحيطهم برعايته و يحيطونه بحبهم إلى أن جاءت الثورة الشيوعية في إثيوبيا و خرج يجاهد مع شعبه لمحاربة الملحدين حتى اقر الله عينه باسترداد سلطنة أبائه و أجداده و دفن في عاصمتها . فعلى الصعيد الاقتصادي اهتم السلطان على تطوير البنية التحتية للسلطنة و تطوير الزراعة عموما و زراعة القطن خصوصا على ضفاف نهر (أواش) و ذلك بموجب اتفاقيات مع شركات غربية و محلية مع نشاط تجاري و اسع بين السلطنة و أقاليم إثيوبيا خاصة إقليم (ولو) و كذلك مع جيبوتي . و في مجال التعليم و الدعوة الإسلامية قام السلطان ببناء المساجد و توطين الدعاة و المرشدين في مدن السلطنة لمحاربة البدع و العادات البالية ويذكر له التاريخ كونه من أهم السلاطين الذين قادوا ثورة تعليمية عمل على نشرها في إقليمه ووفر أعداد كبيرة من المنح الدراسية للكثير من الشباب وبذلك يعود له الفضل في النهضة التعليمية التي ينعم بها ابن المنطقة بدءً من افتتاح التعليم الثانوي والجامعي في أيسعيتا التي أسس لها هو بنفسه والتي تلاحقت عليها الأجيال ، كما ناضل بجهد لا يعرف الكلل لتنمية أمته وتحقيق نهضتها
وأسهم بحكمته وثقله الديني والاجتماعي والسياسي وخبرته في الارتقاء بواقع أمته وفي إرساء السلام والاستقرار وترسيخ التعاون بين مختلف الشعوب الإثيوبية وشعوب المنطقة وواصل أعماله الإصلاحية والخيرية حتى اختاره الله وكان الفقيد يحظى بمحبة واحترام وتقدير كل الشعوب الإثيوبية وشعوب المنطقة
السلطان علي مرح : المولد والنشأة والمسيرة
هو سليل عائلة أيداحسو حكام سلطنة أوسا العفرية آخر السلطنات الإسلامية في إثيوبيا .
ولد في عام 1922 في أيسعيتا حاضرة سلطنة أوسا وفيها قام بتحصيله العلمي وتتلمذ على أيدي علمائها وشيوخها على التعليم الديني واللغة العربية .
تقلد السلطنة في عام 1945
وكان عمره آن ذاك يناهز ال23
وقضى 67 عاماً من عمره في خدمة أمته
وفي عام 1974 أطلق شرارة الثورة ضد نظام الدرق الشيوعي بزعامة منجستو هيلي مريام ثم انتقل إلى جيبوتي ومنها إلي المملكة العربية السعودية التي عاش فيها 17 عاماً كلاجئ سياسي وفي أثناء إقامته في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية كان يواصل نضاله من أجل توفير الدعم اللازم لنضالات أبناء أمته ضد نظام الدرك وتأكيد عدالة قضية شعبه في مختلف الساحات العربية والإسلامية التي كان يتنقل بين بلدانها المختلفة، كما أنه كان يناصر قضايا شعوب المنطقة العادلة فإلى جانب زعامته التقليدية والدينية العفرية فإنه كان يحظى باحترام وتقدير شديد من كافة شعوب منطقة القرن الإفريقي عامة والمسلمين منهم بشكل خاص وبعد أن أثمرت نضالاته ونضالات بقية القوى والفصائل المناهضة لنظام منجستو عن إسقاط هذا النظام في عام 1991م، عاد إلى البلاد.
جمال أحمد ديني