كثرت التحليلات وتباينت التوقعات وزادت التنبؤات التي كانت تنطلق من خلفيات لم تكن بالضرورة واحدة كل يدلو بدلوه في صياغتها وإخرجها دون أن يتخلف أحد من مختلف الشرائح الاجتماعية عن النزول في ميدان وضع تصور حول الشكل الذي ستكون عليه الحكومة الجديدة وتداول الأسماء التي سيتم توزيرها .
واللافت أن الاهتمام الشعبي المنصب على تشكيل الحكومة هذه المرة كان أوسع نطاقا وأقوى حضوراً وأكثر زخما من أي فترة ماضية وربما يعود سبب هذه التفاعل غير المسبوق للرأي العام الجيبوتي بهذه القضية إلى قناعتهم بأن البرنامج التنموي الذي حمله إليهم رئيس الجمهورية والوعود التي قطعها والحلم الذي دعاهم إليه بحاجة إلى حكومة قادرة على ملامسة تطلعاتهم وترجمة الإستراتيجية التنموية التي صاغ رئيس الجمهورية مفرداتها من واقع حاجاتهم وطموحاتهم وعلى ضوء الإطلاع والمعرفة الدقيقة لمتطلبات التحول الحقيقي .
كما أن هذا التفاعل الذي كان مسيطراً على كل الفعاليات الشعبية والرسمية نابع عن وعي حقيقي في أن هذا الحلم الذي يراودهم بأن تتحول بلادهم إلى دبي القرن الإفريقي لا يمكن التطلع إليه دون خلق ديناميكية جديدة وصناعة واقع للتكامل بين الخبرات والكفاءات والاستفادة من كل الإمكانات والقدرات وإدخال ما تتطلبه المرحلة وحركة التطور من تغييرات لا تطال فقط العناصر _- التي ينبغي أن تكون متمكنة من أدوات التغيير - وإنما ينبغي أن يطال الشكل والمضمون والصياغات وأعتقد أن هذا الفهم والرؤية والإدراك - الذي يمكننا أن نجزم بأنه تعزز أكثر مع الخطاب السياسي الذي كان أكثر مصداقية وواقعية وإنسانية وإنصافا وملاسقة لأمال وأحلام كل الشرائح الاجتماعية والذي أثبت إختلافه شكلاً ومضموناً .
هو الذي أضفى على التواريخ والمناسبات لمسات مختلفة وأعطي لها نكهة خاصة وفرض الاهتمام بها على مشهد الحياة العامة و به تعلقت الأحلام وعليها تركز الحديث في كل مكان على مدى شهر كامل - في البيوت - في الأسواق - المكاتب - الباصات المبارز .. في الشوارع في المدارس كل هذه الأماكن كان القاسم المشترك الأكبر بينها هو الإنشغال الكلي باختيار وتكليف رئيس الوزراء ومن ثم تشكيل الحكومة ولم يطل الإنتظار كثيراً فلم يمضي أكثر من يومين حتى تم تجديد الثقة وإعادة التكليف لرئيس الوزراء السيد/ دليتا محمد دليتا ولم يكن هذا الأمر مفاجئا نظراً لما يحظى به السيد / دليتا من احترام وتقدير شعبي كبير كرجل إجماع أصلح لهذا الموقع في هذه المرحلة والمنفتح علي الجميع وبعد يوم واحد قضى الأمر الذي قتل بحثا وتحليلا وتوقعا وتنبؤا وصارت حوله الكثير من التكهنات وجاءت التشكيلة الحكومية بكثير من المفاجآت التي تحمل مؤشرات مهمة على العزم الأكيد على دفع عجلة التنمية بوتيرة متسارعة تسمح للبلد بمعانقة أحلامه ولسان حال أهله : شدى حيلك يابلد المستقبل يتولد. وليس ما هو أهم من أجل ذلك من التركيز على التعليم الذي كان بحاجة من أجل تحقيق مزيد من النهوض إلى أن يتم الفصل بين التربية والتعليم - والتعليم العالي والبحث العلمي ولا سيما في هذه المرحلة التي نقبل فيها على أفتتاح مجمع جامعي يتسع لأكثر من 10000 طالب وإطلاق مشروع نهضة بحاجة إلي إحداث نقلة في التعليم الوطني والذي لا يمكن تحقيقها في ظل تكريس الواقع السابق ولذلك كانت مسألة استحداث وزارة مستقلة للتعليم العالي والبحث العلمي إلى جانب وزارة التربية والتعليم خطوة متقدمة والتوزير فيها شخصين أكاد يميينى يسبق اسم كل واحد منهما حرف الدال ومشهود لهما بالمهنية والكفاءة مؤشر آخر على السير في الاتجاه الصحيح وكذلك الأمر المتعلق بإلغاء وزارة للشباب والرياضة التي لم يعد الاعتماد عليها في النهوض بوضع الشباب والشأن الرياضي في أي مكان في العالم بعد أن تم الاستعادة عنها بالمجالس الوطنية للشباب أو الهيئات العامة للرياضة لأنها أكثر فاعلية وحركية وإنتاجاً بدلا من وزارة تغلب عليها الرتابة والروتين وبيروقراطية ولا تتمتع بمرونة في الحركة وأن هذا التغيير ينم عن رغبة حقيقية في الارتقاء بأوضاع الشباب والشأن الرياضي المعتمد على فاعلية أكبر وسرعة الحركة والإنجاز وفي اعتقادي أن الصيغة الجديدة هي الأقدر على هذا الفعل الذي يتعزز أكثر بإسنادها لكفاءة متخصصة مرهون بها تحسين الإنتاج وتحقيق نقلة نوعية .
وبما أن الاقتصاد الوطني والاهتمام بالنهوض به أمر محوري لتحقيق ما نصبوا إليه من نهضة وطنية شاملة كان مهما إسناد هذه الحقيبة لشخصية من القطاع الخاص يتمتع صاحبها بخبرات واسعة في المجال الاقتصادي لاشك أنه سيضخ دمادءاً جديدة في شريان الاقتصاد الوطني إلى جانب تطوير آليات التعاطي مع توسع نطاق النشاط الاقتصادي وتشعب مجالاته من خلال استحداث أكثر من وزارة دولة منتدبة لدى وزارية المالية مكلفة بقطاع من قطاعاتها مع الحرص على إسنادها لأهل الكفاءة والاختصاص الذي يعد القاسم المشترك الأبرز بين العناصر التي تشكلت منها هذه الحكومة هذه هي بعض ملامح المؤشرات والدلالات التي تحملها هذه التشكيلة الحكومية التي تدفعنا إلى أن ننتظر منها الكثير .
جمال أحمد ديني