تجتاح الأعاصير من كل الجهات عالمنا العربي ، وتتكالب عليه النوائب ، لدرجة أنه فقد القدرة على تبيّن طريقه السويّ وفقد معه البوصلة التي تحدد له اتجاهاته وسط هذه الأعاصير العاتية، والظلمات المتراكبة بعضها فوق بعض لا يكاد يجد فيها بصيصا من نور.
اينما وليت وجهك في عالمنا العربي وجدته يئن ويصرخ بأعلى صوته ..أثخنته الجراح وسالت الدماء حتى صبغت الأرض بلونها الأحمر!! كثرت القلاقل والفتن ، وحوادث الشغب ، فترتب على ذلك تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية..
وهذا وضع لا يسرّ أبدا أمتنا العربية التي طالما حلمت بعالم عربي سعيد بأبنائه وخيراته ،ويحتل مكانته اللائقة في ركب الأمم المتحضرة.. لأن له من تاريخه وإمكاناته ما يؤهله لبلوغ أقصى درجات التقدم والرقي.
ما كان أكثرنا تشاؤما يتوقع قط أن تؤول حال امتنا العربية إلى هذا الواقع المؤلم.. إننا نعيش فترة عصيبة لعلها الأصعب في تاريخنا الحديث!
إن المعاناة لا تقتصر على بلد بعينه، بل امتدت من المحيط إلى الخليج .. وأنشبت الفتنة مخالبها في الجسد العربي وراحت تحاول تمزيقه أشلاء .. التقى الأعداء حول إشعال الفتنة وصب الزيت على النار .. وهم في غاية السعادة وهم يرون الأعاصير تجتاحه من كل صوب.
مظاهرات واحتجاجات وقصف بالطائرات ومعارك على مدار الساعة يروح ضحيتها الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء.. إنه أمر محيّر حقا ومثير للاستغراب !! لم كان العالم العربي هو المستهدف دون غيره؟! كأنما كتب عليه أن يدفع الفاتورة وأن يتحمل كل أخطاء وسيئات العالم الغربي..!!
تتفاقم الأمور وتنتقل العدوى من بلد إلى آخر وكأن هناك أجندة معدّة مسبقا .. من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى البحرين إلى سوريا والحبل على الغارب..والله يستر.. كل المنطقة تتقلّب على صفيح ساخن..!! وتتقاذفها أمواج عاتية ، لا نعرف متى تهدأ ؟ّ!
لا يبدو أن هناك بشائر تلوح في الأفق بانفراج الأمور والوصول بها إلى بر الأمان.. لا ندري ماذا تخبئ الأقدار؟! وماذا يحاك من دسائس في الظلام ؟! لن يتركنا أعداؤنا نستقر أو نهدأ ، لأن هذا معناه تهديد لمصالحهم وأطماعهم.
حينما يتعلق الوضع بالعرب والمسلمين تتخذ الإجراءات بأسرع ما يمكن خاصة في مجلس الأمن ، ويغيب حق النقض" الفيتو" لأن الكل يطمع في أن يفوز بأكبر نصيب من الكعكةّ الشهية ..!
وهكذا كانت الحال بالنسبة لليبيا فقد تسابقت القاذفات وحاملات الطائرات والبوارج الحربية للتوجه لليبيا وبدأت فورا وبلا تردد أو تأخر تدكّ أهدافها بأعتى الأسلحة وأشدها فتكا وأكثرها دقة.. وكانت الخسائر فادحة ، لقد علمتنا تجربة العراق أن الحرب ليست نزهة أبدا، وأنها مرشحة لأن تطول إلى أبعد مما يتصور ويخطط الخبراء الاستراتيجيون..
لكن للأسف لم يستوعب الغرب درس العراق، ولم يستخلصوا منه العظات والعبر، فأعمى الله أبصارهم وبصائرهم!! وهاهو العراق ظل حتى اليوم يدفع الثمن غاليا من دماء أبنائه وأمنه واستقراره ومقدراته.. وأرجعته هذه الحرب الظالمة عشرات الأعوام إلى الوراء. وهو ما يزال يعاني سلبيات كثيرة. ولم تترك قوات التحالف الغربي العراق ولن تتركه حتى تحقق ما تريد.
انشغلت الدول العربية كل واحدة بشأنها الخاص فلديها من الهمّ ما يكفيها..! وانكفأ كل بلد على نفسه ..فانعكس ذلك سلبا على القضية الفلسطينية ، فبعد أن كانت قضية القضايا ، وشغل العرب الشاغل، ومحور اهتمامهم، من أجلها يحاربون ومن أجلها يسالمون ومن أجلها يتخاصمون.. لكن طرأ ما أحال هذه القضية إلى مرتبة أقل وأفقدها بعضا من زخمها وحضورها..!! واستغلت إسرائيل الفرصة وانفردت بالفلسطينيين لتطبق سياستها العدوانية فتقتل وتهدم البيوت وتشن الغارات تحت حجج مزيفة ، وتواصل بناء المستعمرات على أراض في الضفة بعد أن تطرد منها أهلها وفق قانون الغاب..!! وخلا لك الجو فبيضي واصفري..!
فيصل مختار
Minnesota, USA