تحت شعار معاً شعباً وحكومة من أجل أحياء نظيفة نظمت الجمعيات الشبابية والنسائية بمشاركة واسعة من الأهالي حملة تنظيف واسعة في الحي الأول والثاني بهدف تخليص أحيائهم من الزبالة والنفايات وكل أنواع القاذورات التي تلحق أضراراً بالغة بصحة السكان وتتسبب في تلوث البيئة وتعم بتشوه المنظر العام لهذه الأحياء التي تعد خزان التنوع ومثال التجانس. لسكان جيبوتي والتي عانت طويلاً من عقوق أبنائها الذين قلما يهتمون بنظافتها وحمايتها من كل المظاهر والممارسات التي كادت أن تغير ملامحها وفي خطوة يمكن اعتبارها قوية من ذلك العقوق وتلبية لندائها الذي استفز كرامتهم وكاد يطعن في سلامة ذوقهم وعلاقتهم بالسلوك الحضاري الذي لا يسمح لصاحبه بالتعايش مع كل ما يبطل الوضوء والصلاة من الحدث الصغير والكبير ويبطل الصحة من أكوام القمامات والأنهار البولية التي كثيراً ما تصد أنوف الشوارع وما يصم الأخلاق من أوكار تفسد جمال الليل وتشق ثيابه وتذهب العقل وتكشف السوءات وتبيع الهوى واللهو رديئاً حشفا والوهم تلبسه بالحلم ومن خلاله تصوب رصاصاتها القاتلة على حاضر الشباب ومستقبلهم دون أن تكتفي بأسرى بضاعتها الفتاكة التي تضج بها سجونها الواسعة بلا قضبان.
نعم في خطوة تعد ثورة على كل هذه المظاهر التي قضت مضاجعهم وإدراكاً واعياً بدورهم انتفضت مختلف الجمعيات الأهلية التي تضم جميع شرائح المجتمع في الحي الأول والثاني يساندهم سكان الحيين الذين رأوا في هذه الهبة صحوة ثقافية واجتماعية وصحية ينبغي أن تستند إلى نظرة أعمق لمعنى النظافة المناقض لكل الأوساخ والرزايا الحسية والمعنوية في الشكل والممارسات والفعل والسلوك وأن يكون لها صدى في بقية الأحياء.
ونحن بدورنا إذ نثمن هذه الخطوة التي يبدو أنها سمحت لهذه الأحياء بالتعرف على ملامحها التي أنكرت تبدلها بفعل أكوام القمامات التي صدت أنوف شوارعها والقاذورات التي نقشت تماثيل القبح على محياها فاسودت به مدامعها وأعادت لها البسمة في شهر زينتها شهر يونيو المجيد شهر التحرر والإنعتاق الذي أشرقت فيه شمس جيبوتي الجديدة وفيه تفرح الأرض والإنسان ويأخذون زينتهم عند كل ساحة وشارع وركن وزاوية.
نعم وإذ نثمن هذا الجهد الكبير والجميل فإننا أيضاً نضم صوتنا إلى صوت كل من يقول: بأن الموضوع نجاحه وتحقيق أهدافه اللازمة مرهون بتحول الأمر إلى سلوك وثقافة وممارسة يومية تعتمد على تصور واضح وعميق حول تغيير السلوك والمفاهيم التي تكون الممارسات محكومة بها والذي ينطلق من فعل الارتقاء بالوعي الجماعي من معرفة سطحية لأهمية النظافة إلى وعي عميق يستقر في بؤرة الشعور بما تمثله من مقياس لعلاقة أي مجتمع بالتحضر ما يجعل المحافظة عليها مسئولية مشتركة أعتقد أننا لسنا بحاجة إلى إعادة التأكيد على أن هذه هي القاعدة الرئيسية التي ينبغي التركيز عليها من أجل الحفاظ على ما تم تحقيقه والتطلع إلى ما هو أفضل ويمكن استكمال المشوار الذي يتطلب أحياناً التعاطي مع بعض السلوكيات الانحرافية ويحتاج إلى اتخاذ بعض الإجراءات بتدارس الأمر مع الجهات المعنية لتحقيق التكامل بين العمل الشعبي والرسمي من أجل الوصول إلى أهداف مشتركة.
جمال أحمد ديني