كثير هم من أنداحت بي الأقدار إلى عوالمهم ...
وقليلون جداً هم من كانت عوالمهم مملوؤة عظمة وإنسانية....
تواضعهم الجم... وفيض الحب المترقرق من أعماقهم إلى دنياك....
وجمال القيم المسكوبة من يافوخ رأسهم إلى أخماص أقدامهم.... تجعلك في حالة من التوقير والإجلال والوله في حضرتهم.....
هو واحد منهم إن لم يكن أكثرهم عظمة....
جلست معهم مرتين فملأ نفسي حباً وإجلالاً له....
الثالثة حين استدعى الأمر مكانته ومنصبه المرموق وواجبه...
فأسرتني وسحرتني نهدته للأمر ووقفته وغيرته وحزمه...
عالمه المتدفق حباً وتواضعاً وإخلاصاً وجمالاً يزيح ما بينك وبينه من رسميات وتكلف وألقاب فضفاضة....
ولا يبقى بينك وبينه سوى تلك الذات الإنسانية المملوءة عظمة....
جسده النحيل المنهك من تفانيه في عمله.... وبسمته المشرقة دوماً بين تقاسيم وجهه.... وبساطته وعفويته في التعامل... وسجيته المحببة... وتعابيره المنثالة حكمة وثقافة وحباً من بين شفتيه وتبجيله وإجلاله في تعامله مع الصغير والكبير... كلها صفات تميزه.... وتميز شخصيته المتفردة...
عيناه تنقلك إلى عالم من الطمأنينة... والسكينة ... والمعرفة... والنور....
حين يجلس بين خلصائه ومحبيه.. ومعارفه... ومن يطرق مجلسه... تتجلى البشاشة والتواضع والنبل فيه ...
وتدهشك قفشاته - الممتلئة شقاوة وحب وثقافة واسعة - المنسابة من شفتيه فيثير بها المجلس نقاشاً وعراكاً فكرياً أخّاذاً...
وهو محاور رفيع.. سهل ممتنع...
أنا في حياتي لم أرى إنساناً يكاد يتكامل مع منصبه والكمال لله سوى هذا الرجل...
مقدرته ..كفائته... معرفته... مواهبه المتقدة... أبوته اللامحدودة.. تفانيه في عمله.. عدم تفريقه وتمييزه بين الصغير والكبير... صفات تجعل منه نسيج وحده ...
وهو رجل رحب الصدر.. كبير القلب... شفاف الروح.. سموح الطبع.. مهما اختلفت معه في أفكاره ومعتقداته واتجاهاته هو ذاك مع مخالفيه وموافقيه يكنفهم بحبه وعطفه.. ويكن لهم توقيره وإجلاله.. شغفه للاطلاع والمعرفة... ونهمه للقراءة جعلت منه مثقفاً موسوعيا ومحاوراً لبقاً.. وذا حس مرهف في مفردات ألفاظه المتدفقة من بين شفتيه.
لن أنسى تلك اللحظات التي اجتاحته عاصفة من اللوعة والشجن والغيرة والغضب حينما أخبرناه عن محنة أحد مواطنيه.. لن أنسى تلك المشاعر المتأججة والمسئولية الرفيعة الملتهبة... وما هي إلا دقائق وقد أخذ بزمام الأمر... غيّر من اتجاه دفة محنة مواطنه.. وجعل أشرعة المحنة أملاً يبحر بها نحو مستقبل أفضل في بحر كنفه
والكثير ... الكثير... فمن غيره يكون...
نطفة طاهرة.. أنسابت عبر أصلاب أطهار.. لتهبط نسمة طهر في دنيانا... من غيره...
مصطفى الدكاك