يبدو أن المجتمع الدولي ومنظماته تعودا أن يؤجلا المشكلات حتى تصل إلى حد الكارثة، ثم يبدأ التحرك ولقد ألقت منظمة أوكسفام وغيرها باللائمة على المجتمع الدولي واتهمته بالتباطؤ عما يحدث في القرن الأفريقي، فضلاً عن ذلك فإن تكرار الجفاف والمجاعات الناجمة عنه تحتاج إلى حلول جذرية، ولكن يبدو أن المنظمات الدولية تتاجر بالكوارث ولذلك لا تحاول إيجاد الحلول حيث إن الأموال التي يتم رصدها في أوقات الأزمات لا تصل إلى المحتاجين كما هو مطلوب، وتعيش أغلب منظمات الأمم المتحدة بفنادق فاخرة في نيروبي ويستأجرون طائرات بمبالغ طائلة رغم أن بعض هذه المناطق المنكوبة كانت تحتاج إلى حفر آبار أورتوازية لا تتكلف مثل هذه المبالغ التي تصرف بالشؤون الإدارية لهذه المنظمات فقط؛ لأن المياه الجوفية متوافرة في العديد من المناطق الصومالية ولكنها تحتاج من يستخرجها، فمادام أنه لا توجد هناك حكومة صومالية تستطيع القيام برعاية شؤون شعبها فإن هذه المنظمات لا أحد يستطيع أن يقنعها أن تعمل لصالح هذا الشعب أو ذاك،
فحلول هذه الكارثة الإنسانية لم يكن مفاجئا بالمناسبة. فقد نشرت الصحف الأميركية أن دراسات مناخية أجرتها الولايات المتحدة العام الماضي كشفت منذ وقت مبكر عن احتمال قوى لعدم سقوط الأمطار للعام الثاني على التوالي فحذر الباحثون من أن القرن الأفريقي كله مقدم على جفاف وربما مجاعة. لكن أحدا، بما في ذلك الولايات المتحدة التي خرجت منها الدراسة، لم يبد اهتماما يذكر بالاستعداد المبكر لحماية الأرواح.
- الرضيعة مدينة ماتت جراء الجفاف - ولكنها ليست الاخيرة "تجلس خديجة محمد صامتة فوق الرمال في مأواها المصنوع من سعف الاشجار ترنو بنظرها إلى الكيان الضئيل المغطى على الفراش. لقد سارت الام الصومالية التي يبلغ عمرها 20 عاما مدة 30 يوما ومعها رضيعتها البالغة من العمر عامين للوصول إلى مخيم داداب في شمال كينيا".هذه الاسرة التي اصابها الاعياء والجوع وقررت الفرار من أسوأ جفاف يشهده جنوب الصومال منذ عقود والذي راح ضحيته الالاف وفقا للامم المتحدة. وبينما بدأت الام في التعافي في المخيم، فإن رضيعتها لم تصمد وتوفيت بعد ساعتين من اعلان الامم المتحدة المجاعة
ويفجع زائر المخيمات المتوضعة التي أنشأت علي عجل بمناظر إنسانية ينفطر لها الوجدان وسط الأطفال والنساء الذين يفترسهم الجوع، وهم يفترشون العراء، فهنا أم حزينة لمصير رضيعها نتيجة نضوب ثدييها، وأب عاجز عن فعل أي شيء لإنقاذ أطفاله من الموت الذي يحيطهم كإحاطة الهالة بالقمر
- السيدة مؤمنة آدم أم لعشرة أطفال تعجز الحديث عن مأساتها بسبب الجوع والهزال الذي أصاب جسدها، حال دون تمكنها من الحديث، بينما تحدثت عيونها الحزينة والذابلة عن كثير من الخوف على مصير أطفالها، الذين قد يبدو شبح الموت جوعا لصيقا بهم.
وكذلك السيدة حواء وضعها ليس أفضل من حال مؤمنة، فهي أم لستة أطفال، سابعهم رضيع لا يتوقف عن البكاء، وتقول حواء بصوت منخفض "إنه جائع، وأنها مريضة، وقد نضب الحليب بسبب أوضاع المعيشية
- طلباً للسلامة والنجاة، هربت "رحمو إبراهيم ماضي" وأطفالها الثلاثة سيراً على الأقدام من منطقة "باكوت" الصومالية التي ضربها القحط والمجاعة،
وقبل عشرين كيلومتراً من الوصول إلى الجهة المقصودة، وهي العاصمة الصومالية مقديشو التي مزقتها المعارك، ماتت ابنة ماضي الصغري، "فادومو" التي لا يزيد عمرها عن عام واحد، من الجوع.
بعد ذلك بأيام وفي ملجأ عشوائي مكون من جدران بلاستيكية وقطع قديمة من الأقمشة، وهو من الملاجئ القليلة في العاصمة، كانت المرأة البالغة من العمر 29 عاماً تضع كميات صغيرة من العصيدة في فم طفلتها الأخرى "البتول" البالغة من العمر أربع سنوات.
قالت ماضي، وقد لاح الحزن على ملامحها بسبب عجزها عن فعل أي شيء: "إنها تحتضر". والعصيدة التي كانت تطعمها لابنتها كانت كل ما تبقى من طعام لدى العائلة في ملجئها المؤقت، والمؤسف أنه لم يجدِ نفعاً لإنقاذ الفتاة التي توفيت بعد ذلك بدقائق.
قصص وحكايات سكان المخيم رهيبة ومفزعة، وتنذر بوقوع كارثة إنسانية محققة وسط الأطفال والنساء نتيجة انعدام أساسيات الحياة من المواد الغذائية، وما يزيد الطين بلة هو هذا البطئ الشديد من قبل الهيئات والمنظمات والجمعيات الإنسانية الإقليمية منها والدولية في إغاثة هذا الشعب المنكوب.
- والطامة الكبري هو معانات الصوماليون الذين تفتك بهم المجاعة من نارين .. نار منظمات الإغاثة الأوروبية ونار حركة الشباب المجاهدين االتي تسيطر على جنوب الصومال، ويمنعون هذه الهيئات الغربية من العمل في المناطق التي يديرونها، وفي النهاية يدفع الشعب الصومالي الثمن غاليا، وهنا لا بد من تحميل مسؤولية المجاعة جزئيا للطرفين، فحركة الشباب ترفض الاعتراف بوجود مجاعة أصلا، وتصف الوضع على انه مجرد جفاف ورفضت إعلان الأمم المتحدة حدوث مجاعة باعتباره مجرد مناورة سياسية، كما أنها تتهم المنظمات الغربية بالتجسس لحساب الغرب والقيام بنشاطات تبشيرية،وإثارة المشاكل في المجتمع المسلم من خلال أجندات خفية.
بصراحة يمكن اعتبار ما تقوم به حركة الشباب 'جريمة ضد الإنسانية' وحرب إبادة جماعية، فلا هي وفرت الغذاء للجوعى ولا هي تركت منظمات الإغاثة تطعمهم،
يضاف إلى ذلك أن وكالات الإغاثة الغربية تمارس نوعا من الابتزاز والعمل غير الإنساني، فإذا كانت حركة الشباب المجاهدين ترفض دخولهم إلى الأراضي التي يسيطرون عليها، فإنها تستطيع العمل من خلال المنظمات الصومالية والعربية والإسلامية التي تقبلها حركة الشباب، فإغاثة الملايين ووقف شبح الموت الذي يخيم على جنوب الصومال أولى من الإصرار على إدخال المساعدات بنفسها لأسباب دعائية أو للحصول على التمويل، وهي تقف مكتوفة الأيدي ولا تتحرك بالسرعة المطلوبة رغم أن مخازنها مليئة بالمواد الغذائية.
حركة الشباب المجاهدين ومنظمات الإغاثة الغربية يلعبان 'لعبة الموت' على حساب 4 ملايين صومالي يتضورون جوعا، وعلى حكومات وشعوب العالم العربي والإسلامي ومنظمات الإغاثة العربية والإسلامية أن تتحرك لوقف هذه 'المهزلة القاتلة' لتخفيف معاناة الملايين من ضحايا اخطر جفاف يشهده القرن الإفريقي منذ نصف قرن، وعدم ترك القضية سجالا بين الشباب المجاهدين والهيئات الغربية وذلك باستخدام كل الشخصيات والأطراف القادرة على التواصل مع قيادات حركة الشباب، فلا يوجد الكثير من الوقت لنضيعه بينما يهدد الموت 740 صوماليا يوميا نصفهم من الأطفال.
جمال أحمد ديني