استقبل الجيبوتيون كغيرهم من الشعوب الإسلامية في شتى بقاع الأرض عيدهم بألوان البهجة والسرور ، وممارسة الترتيبات والطقوس الخاصة لهذه المناسبة والتي توارثتها الأجيال من تبادل الزيارات والتهاني والتبريكات بين الأهل والأقارب والجيران وغيرها من المظاهر التي تعكس ان العيد في جيبوتي مناسبة تزيد من التواصل والتراحم وصفاء النفوس.
المظاهر والطقوس التقليدية المصاحبة للعيد جيبوتي ضاعفت من صعوبات الحياة الأقتصادية في المرحلة الحالية، وقد تجسد ذلك بالأسعار الباهذة التي صرفت علي الفوط (المعوز) الذي بلغ سعره (20000) وبالأراجيح والأطفال المرتدين أحلى الملابس الذين كنت تجدهم في الأزقة والشوارع يلهون باللعب بالبالونات الهوائية.. او كانوا مع أوليات أمورهم في المنتزهات الترفيه مثل " فان ستي " ، ويعطى لهم العيدية الذي هو مبلغ بسيط من المال للتعبير عن التضامن معهم في فرحتهم بالعيد . وفيما توجهت مئات الأسر برفقة الأطفال إلى مدينة الألعاب " فان ستي " لقضاء يومهم بعيدا عن الهموم البيت ومشاغله ، فضلت أعداد كبيرة من الأسر قضاء العيد في المحافظات الداخلية.
الزحمة في ساحة محمود حربي (بلاس رامبو) وتحويل السيارات المتجه إلى مركز العاصمة نحو اتجاهات أخرى , وتعزيزات عناصر الشرطة في السوق للحفاظ على النظام العام ، تلك كانت جانبا آخر من مجمل المظاهر التي تجلت بقوة في العيد الحالي ، وفرضت نفسها على الصعوبات المرتبطة بغلاء المعيشة في وقتنا الحالي.أما الشباب فتختلف برامجهم وطريقة احتفائهم بهذه المناسبة في هذه الأيام بالذات علي عكس أيامنا فيذهب بعضهم إلى العشاء ويرجع إلى البيوت لمشاهدة الأفلام والبعض الآخر يذهب إلى الملاهي والرقص، وبعضهم مع الأحبة والأخلاء وآخرون في التخزين حتى ساعات متأخرة من الليل، بتخطيط مسبق لتوفير متطلبات تنفيذ برنامجهم العيدي حيث يبدأ كل واحد بجمع ما يلزمه من نقود وإذا لزم الأمر يدخر فلوس أجرة الحافلة ويذهب إلى المدرسة راجلاً حرصاً على اكتمال تلك الحفلة أي ليلة العيد بنجاح باهر ويتقي أن يتطاول عليه زملاؤه ويتباهوا بالملابس والفلوس وما شابه فلابد من الكفاح لتحقيق ذلك لاسيما الذين ينتمون إلى الطبقات الوسطى والفقيرة ويخشى الشباب أيضاً حدوث مفاجأة محتملة حيث يمكن أن يتأخر الراتب فيفشل التخطيط ويموت معه حلم تلك الليلة أو يأخذ نصيبه أخوانه الصغار فيزيد التخطيط مما قد يدفعه إلى أن يسلك أي سبيل يمكنه من جني بعض المال لإكمال التخطيط لليلة العيد الوردية وليس نهارها، لأن نهار العيد ليس في حسبان المراهقين حيث لا يعني لهم إلا أكل "العنبابر" والنوم لأخذ استراحة كاملة ووافية لليلة العيد لأن الرقص واللف والدوران يتطلبان القوة والطاقة، فأما أصحاب التخزينة ما أن يصل القات يبدؤون بتحقيق خطتهم حيث كانوا يكثرون قول "إذا كان يوم العيد فسوف أخزن بــ 5000 آلاف فرنك" ويمكن أن يكون أول يوم يخزن فيه ويا ويله عندما يحيط به المرقان من كل جانب فيحسب الزيت ماءً وغرفة نومه حماماً ويتقيأ بعضهم ويمرض لأن بطنه لا تعرف هذا النوع من المستهلكات والكمية التي تناولها لا تصلح لولفه اليافع الصغير فتكون له بداية تعلم التخزين ودخول عالم المرقان الشيق وحيث يتواجد آخرون في غرف حمراء تسودها الموسيقى الصاخبة والرقصات كأنك في عالم غير عالمك لا تعرف أحداً ولا يعرفك أحد إلا سماع الموسيقى والرقص، فهل كل هذا التخطيط وهذا التشيطن من أجل الاحتفال بالعيد هذا لا يعقل وأين معنى العيد الكبير وأين الجيل الجديد من العيد الإسلامي النبيل والذي كان فيه الأهالي يتزاورون والجيران يتسامحون ويتهادون.ففي العيد يفرح الناس ويعبرون عن بهجتهم بلبس الجديد والبسمة التي لا تغادر شفاههم حتى لو كانوا (ديركيت) وصلوا الليل بالنهار دون نوم وتعم زينتهم منازلهم وشوارعهم التي تفرح بدورها وتحمد أهلها عبر بهائها، إلا أن ساحة واحدة دائماً تشكو من التمييز فهي بقدر مساهمتها في صنع تلك الفرحة التي تشمل كل ربوع الوطن كمصدر رئيسي للتبضع وشراء ملابس العيد تتلقى النكران والتجاهل والقذف بمخلفات بضائعهم التي تشكل أهرامات وكأني بأصحابها يرنون عبرها بلوغ الأسباب.. أسباب السموات .فما لنا لا نحرر هذه الساحة التاريخية موردنا أطفالاً وكباراً في أفراحنا وأعيادنا من سلوك هؤلاء الناس الذين يعتقلونها بالقمامات والنفايات التي ضاقت بها ذرعاً ولقد تحملت هذه الاعتقالات لسنوات طويلة وتبحث عمن يخلصها من هذا التمييز الذي يمارس ضدها من الذين يحررون محيطهم من كل ما لحق به من المنغصات ويحاصرونها بأسلاك القاذورات الشائكة وأسوار النفايات العالية حتي فقدت معالمها وسمعتها واحترامها كسوق عتيق وجسر التواصل بين ما كان يعرف (جيبوتي فوق وجيبوتي تحت) ويبقي أن العيد في حقيقته دعوة مفتوحة لتبديد الشجون ونسيان الأحزان، دعوة للتصافح والتسامح في وقت الأجمل فيه رؤية ابتسامة من القلب، وسلام من أعماق الجوارح تلك التي تتجاوز أي ضيق وكدر.. دعوة نتمنى لو يلبيها الجميع في هذا العيد
فكم من الأوقات الباقية التي يمكننا أن نعوض فيها أياماً أضعناها في خصام ما كنا سنسلم أنفسنا إليه لو كانت لدينا قناعة بأن هذه الدنيا زائلة لا تستحق أن نبقي في أنفسنا مساحة ضيق لأي سبب كان، أليس من الأفضل أن ننسى جروحا وأخطاء تسبب فيها بعضهم فتركوا آثاراً مؤلمة في نفوس لم تعتد على ذلك؟ وأن نغفر ونعفو ونبادر لصفح لا يمكن أن تحلو الحياة دونه؟ أن نذكر جميل من تغيرنا تجاههم فنبدد مساحات العتب تلك التي تضيع الوقت علينا وعليهم؟ وأن نجدد قناعتنا بأن الدنيا فانية ولا تستحق منا أن نكابر ونجافي من جمعنا بهم موقف، ومن لهم في نفوسنا مساحات من الحب والتقدير الكبيرين؟ نأمل أن يكون هذا العيد صفحة جديدة لكثيرين ممن أخذتهم الدنيا على حين غرة، فزينت لهم التغيير على من حولهم، وزينت لهم التجافي والتباغض، وجعلت صغار الأمور في نظرهم كبيرة، وقضت على ملكة العفو تلك التي جبلنا عليها كخلق لا نملك العيش بدونها وإلا أصبحت حياتنا أشبه ما تكون بحرب لا تنطفئ نيرانها، ولأقمنا في الحياة فرادى بعد أن تقطعت سبل الاتصال بمن حولنا.
فلنغتنم هذا العيد لنحيل أنفسنا لتغيير من نوع آخر تصفو فيه النفوس وتعود إلى طبيعتها، تاركة خلفها عوارض لا تستحق الوقوف عندها أو تخصيص مساحات كبرى لها.
هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به وكل عام وأنتم بخير .
جمال أحمد ديني