شهدت الشراكة البناءة القائمة بين جمهورية جيبوتي وبين البنك الإسلامي للتنمية تطورا مطردا تصاعدت وتيرته على امتداد السنوات العشر الأخيرة، وأضحى البنك الإسلامي شريكا فاعلا في الجهود المحمومة التي تبذلها بلادنا بغية تحقيق إنجازات ملموسة تغير حياة الشرائح الفقيرة وتخرجها من شراك الفقر إلى أفق السعادة والازدهار، وذلك في ضوء التزام البنك بترسيخ التضامن الإسلامي والتعاون المشـترك، في مواجهة التحديات التي تجابه الأمة الإسلامية من خلال دعم عملية التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي وتحسين المستوى المعيشي لشعوب الدول الأعضاء والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء في إطار مبادئ وهدي الشريعة الإسلامية الغراء.
وخلال مسيرته الطويلة الحافلة أثبت البنك الإسلامي قدرته على وضع فعل الخير في خدمة الأمة كلها، دعما للصمود، وضمانا لاستمرار الحياة الكريمة، وتأسيسا لحالة جديدة من التضامن الحقيقي بين الدول الإسلامية. فمنذ إنشائه قبل 36 عاما وحتى الآن قام البنك بتمويلات تزيد عن 70 مليار دولار، وأهلته الإنجازات التي حققها خلال الأعوام الأخيرة لنيل أعلى درجات التصنيف الائتماني من فئة AAA من وكالات التصنيف العالمية الكبرى، والحصول على تقييم الخلو من المخاطر من قبل البرلمان الأوروبي، كما حظيت المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات التابعة له بتصنيف رفيع من فئة Aa3 لتصنيف القوة المالية للتأمين، وهذه نتائج تبعث على الفخر والاعتزاز وتستحق منا الإشادة والتنويه.
وقد سارعت بلادنا فور حصولها على الاستقلال أواخر سبعينيات القرن المنصرم إلى الانضمام إلى البنك الإسلامي للتنمية، وكانت بذلك من الدول السباقة إلى الاكتتاب والمساهمة في رأسماله، كما واكبت التطورات المتلاحقة التي شهدها على مدار العقود الثلاثة الماضية، حيث أصبحت عضوا فعالا في مؤسسات البنك التي ظهرت إلى حيز الوجود من قبيل المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات، والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة. وبمرور الأيام اكتسبت الشراكة الواعدة بين الجانبين زخما مطردا وترسخت وازدادت قوة ومتانة، ولا شك أن الحدث البارز المتمثل في وضع حجر الأساس لأضخم مشروع استثماري في تاريخ الوقف في البلاد الذي جرت مراسمه يوم الخميس الماضي برعاية رئيس الجمهورية ورئيس مجموعة البنك الإسلامي، والذي يعد تتويجا آخر لمسيرة تحفل بالانجازات وتبعث على الأمل اللامحدود المتجدد، يشكل نقلة نوعية كبيرة في هذه الشراكة البناءة ولبنة جديدة وجادة في سبيل الارتقاء بها ودفعها إلى آفاق أرحب وأشمل، ولا يخفى ما يحمله حضور رئيس البنك الإسلامي تلك المناسبة الفريدة في طياته من معاني ودلالات عميقة تعكس مدى الاهتمام الذي يوليه البنك لجيبوتي ومدى حرصه على مواكبة جهودها في إنجاز المشاريع الطموحة التي تنسجم مع رسالته السامية.
وعلاوة على كونه خيارا يفرضه انتماؤنا لأمتنا الإسلامية فإن تعزيز التعاون مع البنك الإسلامي امتداد للرؤية الاستراتيجية الحصيفة التي التزمت بها بلادنا الغالية، ذات المرامي العالية، وتجسيد لسعيها الحثيث نحو المضي بمسيرة البناء والتنمية إلى غاياتها المنشودة، والعمل على إزالة التحديات الاقتصادية عبر تبني برامج مناسبة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، والتكيّف مع البيئة الاقتصادية العالمية المتغيرة وتفعيل الجهود المتصلة بالقضاء على معوّقات التنمية، في ضوء برنامج العمل العشري الذي أقرته القمة الإسلامية الاستثنائية التي عُقِدَت في مكة المكرمة في ديسمبر 2005.
إن لمسيرة التعاون المثمر بين بلدنا والبنك الإسلامي الذي يستند إلى البناء على الإنجازات والسعي نحو الفرص المتاحة تاريخا عريقا، فقد اعتمد البنك منذ 1981م وحتى الآن 52 عملية لصالح جمهورية جيبوتي شملت تمويل مشاريع في قطاعات عديدة بقيمة إجمالية بلغت170 مليون دولار، وبإطلاق المشروع الطموح الحالي تكون هذه المسيرة قد حققت انطلاقة كبرى نحو الأمام كما أسلفت الإشارة إليه، ودخلت عهدا جديدا نتوقع أن نشهد فيه تصميماً مُشتركاً، وأجندة مشتركة بين الطرفين، فيما يتصل بتوسيع نطاقها وتنويع مجالاتها، كما نأمل أن تمتزج الشراكة البينية بالعمل مع مؤسسات العمل الإنساني في بلادنا في نهاية المطاف.