بالأمس دشن رئيس الجمهورية السيد/ إسماعيل عمر جيله، ورئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي مشروع الربط الكهربائي بين جيبوتي وإثيوبيا في بادرة تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون البناء القائم بين البلدين، وتضفي مزيدا من الوهج والبريق على العلاقات الثنائية التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ.
لقد كان يوم أمس يوما مشهودا بكل المقاييس، ويوما فاصلا في تاريخ مسيرة التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين الجارين، فقد تحول الحلم الذي راود وجدان الشعبين سنوات طويلة إلى واقع، وتجسدت شراكة مُنتجة ومُجْزية للطرفين، وتحققت قفزة كبرى وانطلاقة مباركة جديدة نحو آفاق أرحب من التعاون المشترك في سبيل رفاهية الشعبين. وعلاوة على كونه علامة فارقة في تعاون الدول والشعوب، فإن هذا المشروع العملاق يعد فريدا من نوعه في القرن الأفريقي، إذ لم يسبق له مثيل في المنطقة، وبإطلاقه تكتب من جديد صفحة جديدة من العلاقات الجيبوتية الإثيوبية التاريخية على أساس تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز المكاسب للجميع.
ولا شك أن إقدام بلادنا العزيزة على الاستثمار في مشروع ضخم من هذا القبيل استنهاض لذاكرة الوعي بالمصلحة الوطنية والقومية في إدارة علاقاتها
الاقتصادية مع دول الجوار الإقليمي ذات الثقل الاقتصادي والأهمية الكبرى لها، وإدراك بأن أية دولة لا تستطيع في عصرنا الراهن أن تتقدّم إلى الأمام بمعزل عن البلدان الأخرى، وأن الدول ذات الرؤى المستقبليّة تعمل على استيعاب هذا الواقع من خلال إقامة شراكات تتجاوز الحدود، وبلورة آليات تمكن من إحداث التناغم والانسجام بين قدراتها ومواردها لخلق قيمة مشتركة عظيمة الفائدة. كما تعكس هذه الخطوة في ذات الوقت قناعة القيادة الجيبوتية الراسخة بأن المضي قدما في استغلال مشاريع الطاقة ليس خيارا، بل ضرورة لحيوية الاقتصاد الوطني ومستقبل الأجيال القادمة.
وفي ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحافلة بالضغوطات التي نمر بها فإن المشروع الاستثنائي الذي عرف النور يشكل انجازا عظيما ومكسبا كبيرا لمسيرة التنمية الوطنية التي دخلت بتدشينه منعطفا جديدا سيكون لا محالة حافلا بتحولات اقتصادية واجتماعية كبرى متلاحقة ومتسارعة في ضوء الزخم القوي الذي سيشهده قطاع الاستثمارات على خلفية انزياح عقبة ارتفاع تكاليف الطاقة الكهربائية التي كانت تحد من تأثير مزايا البيئة الإيجابية المتوفرة حاليا للاستثمار في بلدنا الكريم من تسهيلات وإصلاحات تشريعية سهّلت النشاط المتصل بالأعمال، بما في ذلك المعايير التنظيمية المتناغمة مع الممارسات العالمية.
ومهما يكن من أمر فإن المشروع يوفر مئات الملايين ويضع أساسا لسوق طاقة مشتركة بين جيبوتي وإثيوبيا، كما يتيح إمدادات طاقة مستديمة لدعم اقتصادهما الوطني، إلى جانب تأثيراته بعيدة المدى في مضمار الأنشطة المختلفة في القطاعين العام والخاص، وسيبقى نقطة مضيئة وحدثا متميزا في تاريخ علاقات البلدين الممتدة عبر الأزمنة والعصور ورمزا لشراكة استراتيجية تجني ثمارها الأجيال المتعاقبة.